مع استخدام المنصات الرقمية، أصبحت استراتيجية الشبكات الاجتماعية أكثر تعقيداً من ناحية تحسين العلامة التجارية ورفع مستوى الخدمات. على ضوء ذلك، وسّعت شركات التكنولوجيا نطاق أعمالها في مجالات مختلفة من خلال عمليات الاندماج للسيطرة على السوق.
تتكاثر عمليات احتكار الانترنت والتي تُعرف بالبرمجيات الاحتكارية المقفلة التي تتحّكم بسلوك المستخدم مما يضمن استمرارية الحركة الانتاجية في المصانع التكنولوجية. فعلى الرغم من الأزمة الاقتصادية العالمية، لم يشهد قطاع التكنولوجيا الاضطرابات ذاتها التي طالت سائر القطاعات بل ازدهر بشكل غير مسبوق حيث شهدت الشركات في القطاع نمواً يُقدّر بنحو 2.4% اعتباراً من عام 2022. يرسم عمالقة التكنولوجيا قدرات الأجهزة الذكية من خلال البرمجيات المطروحة والتي تستجيب إلى متطلبات السوق فتحدّ من قدرات الأجهزة الالكترونية نفسها.
هل للإنترنت استمرارية من دون عمالقة التكنولوجيا؟
تحولت بعض شركات التكنولوجيا إلى "أيقونات" أساسية لأعمالنا على الانترنت ولا يمكن أن نتخيّل حياتنا من دونها. مثلاً متصفح غوغل لاجراء الأبحاث واستقصاء المعلومات، تطبيقات الدردشة ومواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك، واتساب، انستغرام ومنصة X المعروفة سابقاً بتويتر) التي تتيح الاتصال الافتراضي وتسمح للمستخدمين بالتعبير عن آرائهم بشكل مباشر من دون تمييز. تعتبر أنظمة البرامج الرقمية من العناصر المهمة لاتمام الأعمال المكتبية والمنزلية وأبرزها برامج مايكروسوفت الأكثر انتشاراً، حيث تستحوذ الشركة على حصة سوقية تتجاوز 70% على مستوى العالم.
ينقسم النهج الاحتكاري بين الشركات التي تمنح تراخيص لاستعمال نظامها الخاص والشركات التي تُطبّق الاحتكار عبر تطوير أجهزتها الذكية الخاصة وتُطوّر البرمجيات المسؤولة عن تشغيلها فقط. تهيمن شركة مايكروسوفت على 48% من برامج كتابة النصوص المعروفة بمايكروسوفت أوفيس، فلا يمكن قراءة أي مستند كُتب عبره إلا من خلال البرنامج الخاص بمايكروسوفت. يرى المستخدم نفسه "مكبلاً" بين الأنظمة القديمة والاصدارات الحديثة مع الانتقال من doc إلى docx مثلاً (وهو شكل من أشكال احتكار الانترنت). على الخط نفسه، تعتبر مايكروسوفت من أكبر الشركات المحتكرة مع اطلاق نظام تشغيل "ويندوز" الأسهل استخداماً للتعليم والعمل كما منحت الشركة ترخيص استخدام برنامجها لشركات أخرى مصنّعة لأجهزة كمبيوتر. نظراً للاقبال الكبير على هذا البرنامج، عملت مايكرويسوفت أيضاً على تطوير ألعاب إلكترونية تعمل بواسطة نظام ويندوز الخاص لتصبح اليوم حصة ألعاب الفيديو المدعومة من نظام ويندوز 90%.
في المقابل، شركات تكنولوجية أخرى اعتمدت النهج الاحتكاري الثاني عبر تطوير أجهزتها وأنظمتها الخاصة بها حصراً– الشركات المصنعة لطرازات الهواتف الذكية. يعتبر خبراء التقنية أن بهذه الطريقة ترفع الشركة القيمة السوقية لمنتجاتها وتُقنع المستخدم بحصريتها. مع اعتماد هذا النهج الاحتكاري، تعمد الشركة الى طرح أنظمة تشغيلية متتالية تخدع المستخدم باعتبار أنه يقوم بتحديث هاتفه لكن بالفعل قد تؤدي هذه الأنظمة إلى تباطؤ العمليات التشغيلية في الهاتف.
تحكم شركات التكنولوجيا العالم الرقمي بقوة برامجها وأنظمتها التشغيلية التي تربط المستخدمين بمنتجاتها ضمن دورة حياتية تتوالى مع فرض التحديثات لنظام التشغيل على الهاتف المحمول أو للتطبيقات الذكية أو لأجهزة الكمبيوتر.
وسط آراء متناقضة، يُدافع بعض الخبراء عن احتكار الانترنت باعتبار أن هذه السياسة دفعت بشركات التكنولوجيا إلى الأمام إن كان على مستوى الخدمات أو على مستوى الربح المالي. فإن احتكار أنظمة التشغيل يحدّ من نسخ الأنظمة الرسمية الحصرية للشركات الكبرى في عالم تزيد فيه العمليات الاحتيالية.
آراء أخرى تُمانع سياسة الاحتكار باعتبارها غير صحية للمشهد التكنولوجي. على ضوء ذلك، نُص مشروع قانون جديد لمكافحة احتكار شركات التكنولوجيا الكبرى بحيث يمنع أي شركة لديها أكثر من 20 مليار دولار من عائدات الإعلانات الرقمية، من امتلاك أجزاء متعددة من سلسلة الإعلانات الرقمية ومن المحتمل أن تكون غوغل أكثر الشركات تأثراً. وبموجب هذا القانون سيتعذّر على غوغل منح منتجاتها الخاصة الأفضلية على المنصات التي تمتلكها وتديرها.
بعيداً عن الإحتكار، ارتفاع كلفة الإنفاق العالمي على تكنولوجيا المعلومات
تواجه دول المنطقة الأزمات المرتقبة بدمج أعمالها بالعالم الافتراضي وزيادة انفاقها على تكنولوجيا المعلومات. وفقاً للمعلومات، يواصل قطاع الاتصالات والتقنية نموه مع مطلع عام 2024 نظراً للأعمال المخصصة لتطوير البنية التحتية الرقمية والاستفادة من استراتيجية التحول الرقمي بالاضافة إلى نمو قطاع السحابة والأمن السيبراني والبرمجيات خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.
تركز الشركات على الحلول التقنية حيث ارتفع الانفاق على تكنولوجيا المعلومات الذي يتفرّع بين الأجهزة الالكترونية وبرامج المؤسسات وأنظمة مراكز البيانات وخدمات الاتصالات وخدمات تكنولوجيا المعلومات؛ فبعدما وصل الانفاق على هذا القطاع إلى 3817 مليار دولار في العام 2019، واصل نموه ليسجّل 4674 في العام 2023.
إن التطور السريع في مجالات التقنية والرقمنة يدفع بالحكومات إلى مراقبة محتوى الشبكات الاجتماعية وضمان تطبيق سياسة الحماية لتنظيم العمل الالكتروني ودعم الابتكار الايجابي.
إذا بحثنا بشأن سياسة التكنولوجيا على مستوى العالم، تختلف استراتيجية التطبيق بين الولايات المتحدة التي لا تُخالف فكرة تنظيم القطاع في حين كان الاتحاد الأوروبي أكثر استباقية في محاولة تنظيم التكنولوجيا من خلال مبادرات مثل اللائحة العامة لحماية البيانات وتنظيم كل ما يتعلّق بالابتكارات الجديدة ومن ضمنها الذكاء الاصطناعي، مع اتجاه المزاج العام نحو ضرورة الحد من القوة الاحتكارية وتنظيمها.
المحتوى غير الرسمي لمنافسة أنظمة البرامج الحصرية
يلجأ المستخدمون إلى المحتوى غير الرسمي لتجنّب الدفع الشهري للاشتراك بالمواقع الالكترونية والارتباط بأنظمتها الحصرية. تتوسّع هذه الظاهرة في مختلف الدول حيث وصلت نسبة المشتركين بقنوات غير رسمية إلى 24% في العام 2017 إلى جانب المواقع الالكترونية التي تتيح الوصول إلى البرامج المجانية والمحتوى الرقمي المقرصن (نصوص، صور، موسيقى، ألعاب وفيديو).
عام 2009، انتشر المحتوى المقرصن بشكل كبير على شبكة الانترنت مع تنوع المنصات الرقمية والبث التدفقي لتنخفض هذه النسبة في ما بعد. تتأثر المواقع الالكترونية ومنصات المشاهدة بالمحتوى المقرصن في وقت تُتاح فيه كل المواد عبر المواقع غير الرسمية.
تطيح شركات التكنولوجيا الكبيرة بالمشاريع الناشئة والأعمال الصغيرة في وقت لا تزال السياسات الدولية تُدافع عن سياسة الاحتكار لحماية المحتوى وجذب المستخدم. وعلى الرغم من أن تنظيم احتكار الانترنت لن يكون بوقت قريب إلا أن بعض الدول تستعد لاتخاذ الاجراءات المطلوبة ومكافحة الاحتكار الرقمي على أنواعه. مقابل ذلك، يجد العديد من خبراء التكنولوجيا والمتخصصين بمسألة مكافحة الاحتكار أنع قد يكون من الصعب استحداث تشريعات قانونية جديدة للحفاظ على المنافسة الشريفة في عصر تدخل فيه التكنولوجيا إلى كل أطراف حياتنا.