بقلم:عمار طبا، نائب رئيس شركة هواوي للعلاقات العامة والإعلام في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى
في عالم تتسارع متغيراته وتتنوع أدواته ويتزايد ارتباطه بمستجدات العلم والتكنولوجيا يوماً بعد يوم، يبقى العنصر البشري محور الابداع والابتكار والتطوير. ورغم الضجة الكبيرة الحالية التي أحدثتها سطوة الذكاء الاصطناعي وموجات الأتمتة على عالمنا وتحذير العديد من الخبراء من مغبة أفول نجم العديد من الوظائف والاختصاصات، تبقى المهارات البشرية أساساً لا غنى عنه في عالم المال والأعمال والتنمية الاقتصادية المدعومة بالتكنولوجيا الحديثة.
المواهب الرقمية تقود اليوم مسارات التحول الرقمي وتفتح آفاقاً جديدة للإنتاجية وكفاءة الأعمال في عصر التقنيات الذكية. ولا شك بأن حياتنا غدت أكثر سهولةً جراء انتشار تقنيات ثورية مثل شبكات الجيل الخامس والحوسبة السحابية وإنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي. غير أن النقص الحاد في المواهب العالمية في قطاع تقنية المعلومات والاتصالات ما زال يؤثر على 87% من الشركات، مما يؤكد الحاجة الماسة إلى تسريع جهود تنمية المواهب التقنية لسد الفجوة الرقمية الناتجة عن التبني السريع لتقنيات الثورة الصناعية الرابعة.
تمتلك دول المنطقة كوادر بشرية شابة متميزة تؤهلها لتكون على المسار الصحيح من تطورات الرقمنة العالمية ضمن العديد من القطاعات. وسرّعت العديد من دول المنطقة مبادرات خاصة تستهدف تعزيز البنية التحتية لتقنية المعلومات والاتصالات ومحو الأمية الرقمية وزيادة القدرة التنافسية في مجال التكنولوجيا، وضخت لذلك استثمارات كبيرة. ووفقاً لشركة البيانات الدولية، فإن الإنفاق على تقنية المعلومات والاتصالات في منطقة الشرق الأوسط وتركيا وأفريقيا سيتجاوز 233.8 مليار دولار خلال هذا العام بزيادة قدرها 3.9% عن عام 2022.
الشراكة بين القطاعين العام والخاص أرضية خصبة لبناء نظام إيكولوجي شامل ومتكامل من المواهب التقنية يمكن العناية بتطوير مهاراتها لدعم الأهداف الوطنية الطموحة وتحقيق قيم اجتماعية وتجارية جديدة ضمن جميع القطاعات بالاستفادة القصوى من التكنولوجيا، فضلاً عن إثراء مراحل بناء اقتصادات رقمية مستدامة. ويعتبر تفعيل شراكات استراتيجية منفتحة بين القطاعين العام والخاص ممثلين بالجهات الحكومية والمؤسسات الأكاديمية والشركات التقنية المتخصصة محوراً أساسياً على طريق خدمة الأهداف الوطنية لدول المنطقة، يسهم بالدرجة الأولى بسد الثغرات المتبقية في أنظمة التعليم الجامعي التقليدي الذي ما زال بعضها يرجح كفة التعليم النظري على حساب الممارسات العملية اللازمة لمواكبة مختلف تقنيات وأوجه الرقمنة المتسارعة التطور.
تجربتنا في هواوي على مر السنوات في مجال المساهمة بإنشاء تحالفات المواهب وإرساء معاييرها وتحسين قيمتها للمجتمع أثبتت فحواها. وأطلقنا في سبيل ذلك العديد من المبادرات والبرامج في مقدمها أكاديمية هواوي لتقنية المعلومات والاتصالات، مشروع التعاون التدريبي الناجح الذي تسهم فيه مؤسسات جامعية مرموقة من المنطقة، بدأ عام 2013 وبات يشمل حتى اليوم 230 أكاديمية في مختلف دول المنطقة. وعلى الصعيد العالمي، عقدت أكاديميات هواوي لتقنية المعلومات والاتصالات شراكات مع ما يزيد على 2200 جامعة حول العالم، وتدرب حوالي 200 ألف طالب سنوياً. وهناك برامج ومبادرات عديدة أخرى كمسابقة هواوي لتقنية المعلومات والاتصالات التي تعتبر المنصة العالمية الأبرز من نوعها لتحفيز فكر ونهج الابتكار التقني، وتتيح للطلبة الجامعيين من جميع أنحاء العالم فرصاً غنية للتنافس وتشارك الأفكار.
وحصد برنامجنا العالمي "بذور من أجل المستقبل" للمسؤولية الاجتماعية استحسان الهيئات الحكومية والمؤسسات الأكاديمية في شتى أنحاء العالم؛ حيث ساهم منذ عام 2008 في تنمية المواهب المحلية لقطاع تقنية المعلومات والاتصالات بتشجيع تبادل المعرفة واكتساب الخبرات العملية لرفع سوية مشاركة المواهب المتخصصة في الاقتصاد الرقمي المتنامي. وشارك في هذا البرنامج منذ إطلاقه ما يزيد على 4,000 طالب وطالبة من المنطقة واصلوا حياتهم المهنية بنجاح، وساهموا في دفع عجلة التقدم الاجتماعي والاقتصادي لبلدانهم.
معسكر تمكين المدربين مبادرة هي الأولى من نوعها أطلقناها مؤخراً في إطار برنامج أكاديمية هواوي لتمكين المدربين. ويقدم البرنامج مجموعة متنوعة من الموارد التعليمية والأنشطة وفعاليات المشاركة لدعم المدربين الأكاديميين ومساعدتهم على صقل مهاراتهم وخبراتهم العملية ليصبحوا خبراء متمرسين في تقنية المعلومات والاتصالات، بما ينعكس إيجاباً على الطلاب.
المساهمة في معالجة تحديات القطاع التقني عبر دعم المسابقات التي تستضيفها المنظمات الأكاديمية مثل الجمعية العالمية لمهندسي الكهرباء والإلكترونيات (IEEE) والجمعية الصينية للذكاء الاصطناعي (CAAI) أحد المحاور الهامة التي نوليها اهتماماً خاصاً لإلهام الجيل القادم من مواهب العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات بدعم مساعي الجامعات بأن تصبح مراكز للابتكار والتقدم. ونواصل العمل على تحسين نظام الشركة لمنح الشهادات المعتمدة، والذي يغطي الشهادات المهنية والتخصصية على حدٍ سواء. وبحلول نهاية عام 2022، قدمت هواوي أكثر من 750,000 شهادة تأهيل في جميع أنحاء العالم.
التنمية الخضراء وحيادية الكربون ضرورة عالمية اتفقت عليها كافة الدول. وتركز حكومات المنطقة في المقام الأول على التنمية المستدامة مع تضمين الأجندات الخضراء في العديد من الرؤى الوطنية. ويمكن لمواهب تقنية المعلومات والاتصالات أن تسرّع تحقيق هذه الأهداف بالاستفادة من تكامل الأعمال بين التقنيات الرقمية والاستدامة. وكشف استطلاع أجراه المنتدى الاقتصادي العالمي أن 40% من قادة الأعمال يعتقدون أن التقنيات الرقمية تؤثر بالفعل بشكل إيجابي على أهداف الاستدامة الخاصة بهم.
وتماشياً مع مبادرة "التكنولوجيا من أجل كوكب أفضل"، نركز في هواوي على خفض استهلاك الطاقة، وتقليل الانبعاثات الكربونية، وتعزيز انتشار الطاقة المتجددة، والمساهمة في بناء الاقتصاد الدائري. ونحرص على المساهمة في بناء الاقتصاد الرقمي المستدام من خلال إرساء بنية تحتية لتقنية المعلومات والاتصالات تكون صديقة للبيئة وتستهلك الطاقة بكفاءة، فضلاً عن الاستفادة من الحلول الرقمية في خفض انبعاثات الكربون العالمية بنسبة 20% بحلول عام 2030.
في خضم العمل على تنمية المواهب وصقل الخبرات وإعداد الكوادر التقنية المحلية، من المهم ألا نغفل عن شريحة النساء والفتيات اللائي ما زلن يواجهن تحديات عديدة لدخول قطاع التكنولوجيا الذي لا يزال ذكورياً بدرجة كبيرة؛ إذ كشف تقرير صادر عن شركة "ديلويت"أن عدد النساء العاملات في شركات التقنية الكبرى حول العالم لم يتجاوز 33% من قواها العاملة بحلول عام 2022. ويجب علينا جميعاً العمل على رفع سوية المساواة في الفرص للجنسين، والاهتمام بإعداد القيادات النسائية المؤهلة في قطاع التكنولوجيا.