لا يزال الذكاء الاصطناعي يثير الجدل مع تطوّر خدماته وتفوّقه على القدرات البشرية. لذا تبحث الشركات التكنولوجية العملاقة في امكانية استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي وأنظمته بعيداً من المخاطر باعتبار أن هذه التقنية هدفها الأساس خدمة الانسان وليس الهيمنة عليه.
من المنظور التكنولوجي والرقمي يُعتبر الذكاء الاصطناعي من أهم التقنيات التي توصّلت إليها الأبحاث واختبارات الانسان حتى الآن. أما من الناحية الأمنية والتهديدات الالكترونية التي يشكّلها، فيتصدّر الذكاء الاصطناعي الملفات الدولية التي تبحث اتجاهات هذه التقنية وتأثيرها على مستقبل البشرية بينما لا تزال في المرحلة الأولى من تطوّرها. وفق تقييم الأمم المتحدة من المتوقع أن يشهد الذكاء الاصطناعي تسارعاً ملحوظاً خلال السنوات المقبلة. قد تكون التطبيقات الذكية مصدراً أساسياً لنشر المعلومات الخاطئة أو تهديد الأمن القومي حتى، فمن المقتراحات العملية للحدّ من تداعيات الذكاء الاصطناعي، انشاء هيئة دولية لتنظيم قطاع التكنولوجيا والأخذ بالاعتبار حجم المخاطر الكامنة في اعتماد روبوتات الدردشة وكيفية التعامل مع الأجهزة المدعومة بالذكاء الاصطناعي. فهل هذه الاجراءات ستعطل التطوّر وتُعيق التقدّم في مجال الرقمنة؟
حرب البشرية مع الذكاء الاصطناعي
ترفع الجمعيات العالمية الصوت لضرورة عدم ترك التكنولوجيا تتحكّم بالانسان وبحياته مع تجديد التحذير من مخاطر التقدّم السريع وكل ما ينتج عنه من انتهاك الأمن السيبراني والهجمات الالكترونية التي يعززها استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. انطلاقاً من هنا، تتواصل الدعوات الدولية لاستخدام الذكاء الاصطناعي لصالح البشرية مع ابقاء أنظمته تحت قيادة الانسان ليكون قادراً على التحكم بها خصوصاً في المجالات الاقتصادية والعسكرية وكل ما يتعلّق بالشأن العام. فلطالما صوّرت لنا الأفلام الخيالية سابقاً الحياة مع الروبوت بأجمل صورة إلا أن الواقع لم يكن كذلك فحسب، فالتكنولوجيا سريعة التطوّر وغير المنظّمة تمكّنت من خلق فجوة اجتماعية وسياسية بين الدول الطامحة لمواكبة التحول الرقمي وتلك التي لا تزال بقدرات محدودة في هذا المجال.
يمكن التمييز بين ثلاثة أنواع من الذكاء الاصطناعي وهي: المتخصص: يشمل الأنظمة التي تقوم بمهام محددة. الذكاء الاصطناعي العام: توازي قوته القدرة البشرية في التفكير، أما النوع الأخير فهو الذكاء الاصطناعي الفائق: الذي يتفوقّ بقدراته على القوة البشرية، فهو يُنجز المهام بشكل أفضل ليتواصل ويخطط ويصدر القرارات كما يجب.
وسط المخاوف المتعددة، يُشدّد الخبراء على ضرورة الاستعداد للتحديات التي يوفرّها الذكاء الاصطناعي خلال المرحلة المقبلة مع أهمية وضع أٌطر قانونية تحد من استخدام التقنيات التكنولوجية على أنواعها بشكل عشوائي وتنظيم الحلول الرقمية بالوقت نفسه. فإن مع ما يحدث اليوم على مستوى الشركات والأفراد وتهديد الذكاء الاصطناعي لأكثر من وظيفة مع هيمنة الروبوتات على سوق العمل تبدأ الحرب السيبرانية بالتوسّع والسلاح هذه المرّة هو تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.
وفي إطار المساعي للحدّ من مخاطر الذكاء الاصطناعي، دعا أكثر من ألف خبير تقني من كافة مختبرات الذكاء الاصطناعي في مارس 2022 إلى التوقّف عن تدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي ستة أشهر أقلّه في وقت باتت تمثّل فيه الحلول التكنولوجية قوة خارقة لن يتمكّن الانسان من السيطرة عليها في ما بعد في حال استمر الوضع على ما هو عليه حالياً.
طريق الابتكار لم تنتهِ هنا فحسب، بل تمكّن الباحثون من تطوير تقنية تعتمد على الذكاء الاصطناعي أيضاً لقراءة عقول الناس عبر جهاز التصوير المغناطيسي حيث يتعرّض المشاركون إلى ما يتراوح بين 1200 إلى 5000 صورة مختلفة بعد مسح الدماغ من خلالها لتمكين الذكاء الاصطناعي من قراءة الأفكار.
فبمجرّد جمع البيانات الكافية عن كل فرد يمكن بناء نموذج خاص للذكاء الاصطناعي ليترجم الأفكار. لن تتمكّن هذه التقنية من قراءة أفكار جميع الأشخاص فهي تتطلّب نموذجا خاصا لكل شخص على حدة. هذه التجربة سرّعت المخاوف بشأن الذكاء الاصطناعي والابتكارات التي تتوسّع من خلاله مما قد يعرّض خصوصية الأفراد إلى الانتهاك بعد قدرة التكنولوجيا على الوصول إلى معلوماتنا وبياناتنا وأفكارنا خلال ثوانٍ معدودة. هنا تكمن أهمية القوانين الصارمة التي تدعو إليها الجمعيات العالمية والشركات الرقمية حول العالم للتحكّم بالذكاء الاصطناعي واستخدامه لفوائد طبية أو انسانية سامية.
هل يعزز الذكاء الاصطناعي الهجمات السيبرانية؟
تتجذّر الهجمات السيبرانية في أجهزتنا وبرامجنا المتصلة بالانترنت لتكون أكثر تعقيداً فتنال من المستخدم بشكل أسرع. ومع تطوّر الذكاء الاصطناعي وزيادة حركة البيانات، زاد التحدي بشأن تحقيق الأمن السيبراني وكيفية الحدّ من التهديدات المحتملة والعمل على كشف الثغرات في التطبيقات والمواقع الالكترونية قبل حدوثها. يستغل القراصنة قدرات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لشنّ هجماتهم بأساليب متطوّرة ومتقدّمة.
طوّر مجرمو الإنترنت نماذج أعمالهم، بما في ذلك تقديم خدمات الاشتراك وباقات أخرى تُعزز استخدام روبوتات الدردشة ولا سيّما تقنية شات جي بي تي 4 الذي قدّم نماذج متعددة من اللغات والملفات والمعلومات والبيانات. بحسب الدراسات، أعطت 76% من المؤسسات الأولوية للذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في ميزانيات تكنولوجيا المعلومات الخاصة بها. ويعود هذا الاتجاه إلى الحجم المتزايد للبيانات التي تحتاج إلى تحليل لتحديد التهديدات السيبرانية والتخفيف منها، من بين أسباب أخرى. يمكن للأجهزة المتصلة، توليد 79 زيتابايت من البيانات بحلول عام 2025، وهو رقم يستحيل على البشر تحليله بالأساليب التقليدية.
مما يثير القلق الأكبر أن تستغل الجهات المقرصنة الذكاء الاصطناعي لنشر البرامج الضارة وتعزيز التهديدات السيبرانية أو التسويق لروابط خبيثة أيضاً.
من ناحية أخرى، تظهر الناحية الايجابية من تطبيقات الذكاء الاصطناعي واستخدامه ضمن الأنظمة السيبرانية لتطوير أساليب الحماية ومنع انتشار الفيروسات على الأجهزة الالكترونية. يقول الخبراء إن الذكاء الاصطناعي تقنية بوجهين، فبقدر ما يمكن اعتباره من المسائل الخطيرة جداً إلا أنه يمكن الاعتماد عليه والاستفادة منه لتخفيض عدد عمليات الاختراق ودعم استراتيجيات الحماية خصوصاً وأن التكنولوجيا باتت مدمجة في أغلب نشاطاتنا اليومية التي تغيّرت على مستوى الأفراد أو الشركات فسقطت الحواجز بين العالم الواقعي والشبكة الافتراضية.
يمكن للذكاء الاصطناعي توفير المراقبة المستمرة، وهو أمر ضروري للأمن السيبراني الحديث. تم تصميم أدوات الأمن السيبراني التي تعمل بالذكاء الاصطناعي لتحديد الهجمات واكتشافها في الوقت الفعلي ويمكنها أتمتة عملية الاستجابة للحوادث المرتقبة. كما تساعد التقنيات الجديدة والتي تعتمد على الذكاء الاصطناعي فرق العمل لاتخاذ الاجراءات الوقائية لتحديد أثار التهديدات السيبرانية والاتجاهات الناشئة. كما يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتعزيز تدابير التحكم للوصول إلى كلمات المرور الضعيفة ومطالبات المستخدم باختيار كلمات أقوى. يمكن لخوارزميات التعلم الآلي تحديد أنماط السلوك الشاذ والإبلاغ عن محاولات تسجيل الدخول المشبوهة، مما يسهل تحديد الانتهاكات الأمنية المحتملة.
من المهم لقادة الأعمال التعرّف على المخاطر والفوائد المحتملة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الأمن السيبراني والنظر في الآثار الأخلاقية لتنفيذ الحلول القائمة على التكنولوجيا. في حين أنه من المهم مواكبة العصر الرقمي والأخذ بالاعتبار كل التداعيات التي قد تنتج عن استخدام الانترنت والعالم المفتوح إلا أنه من الأهم أيضاً التركيز على الامكانات التي ستوفر حلول الذكاء الاصطناعي لتحسين جودة الحياة والارتقاء بالخدمات على المستوى الاجتماعي والاقتصادي. فالتحدي الأكبر اليوم يتمثّل بالنسبة للشركات الكبيرة لتحليل سلوك المستخدم وتحديد الأنشطة التي بحاجة إلى الذكاء الاصطناعي وتلك التي يمكن الاعتماد على الانسان فقط لاتمامها، وبذلك تبدأ المساهمة في حماية البشرية من هيمنة التكنولوجيا مع تحديد الوظائف والأعمال واستخدام الرقمنة ضمن الحدود خصوصاً وأنه من المتوقع أن تحقق منطقة الشرق الأوسط مكاسب اقتصادية جمّة مع تسجيلها نحو 320 مليار دولار زيادة للناتج المحلي بحلول عام 2030. فالخوف ليس من استخدام الذكاء الاصطناعي بل أن تصبح أنظمته خارجة عن سيطرة البشرية!