تُناقش شركات التكنولوجيا الصينية السبل المتاحة لدعم أحدث التقنية الرقمية وتوفيرها لكل فئات المجتمع. وفي وقت تبرز فيه التطوّرات في مجال الذكاء الاصطناعي، تمثّل هذه التقنية تحديات عدّة تقلق العالم لقدرتها على زيادة حجم الهجمات السيبرانية وبالتالي تعدد عمليات القرصنة والاحتيال الالكتروني.
على عكس ذلك، يعتبر القسم الآخر أن للتقنيات التكنولوجية قدرة على رفع مستوى الأمن الرقمي مع تفعيل أنظمة البرامج التي تعمل بالذكاء الاصطناعي. فوسط التحولات الكبيرة التي تشهدها المنطقة والعالم، تتوجّه شركات الاتصالات والتكنولوجيا في الصين إلى تعزيز تقنية الذكاء الاصطناعي وتطوير الابتكارات في هذا المجال. من هنا بدأ كشف النقاب عن روبوتات الدردشة بمختلف أنواعها وتعدد خدماتها إلى جانب مجموعة كبيرة من الشركات الصينية التي تعمل على تطوير الأجهزة الالكترونية بما فيها ذاتية التحكم أو القيادة وغيرها من الحلول المماثلة. أما توسّع السوق العالمي في هذا المجال فهو يشكّل تحدياً بالنسبة للصين التي تسعى إلى الهيمنة على القطاعات الرقمية وخصوصاً الذكاء الاصطناعي مع تقديم بعض الابتكارات الواعدة التي أظهرت أهميتها ومكانتها لتحسين تجربة العملاء وتخطّت من خلالها كل التحديات والضغوطات.
إصرار الصين على تصدّر المنافسة العالمية
في ظلّ السباق العالمي حول التكنولوجيا والرقمنة وبينما تتنافس الشركات لتبني أعلى قدر ممكن من الحلول الذكية في عملياتها التشغيلية، تحدد الصين أهدافها لمنافسة الشركات التكنولوجية العملاقة مثل غوغل ومايكروسوفت لتعزيز وجود الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات. وعلى هذا الخط، تدعم الصين الخبرات في مجال الرقمنة لسدّ الفجوة وتحقيق النمو والتطوّر والاستدامة محاولةً بذلك التحرر من قيود الولايات المتحدة عليها. مؤخراً، تلاحظ الأوساط اقبال رواد الأعمال على تمويل تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى جانب دعم المهارات. وفي هذا الاطار، من المتوقع أن يشكّل الذكاء الاصطناعي خلال السنوات المقبلة أساساً لأعمال الشخصيات النافذة في قطاع التكنولوجيا.
على الرغم من التحديات والضغوطات، تسعى الصين للالتحاق بالولايات المتحدة من حيث نفوذها في قطاع الذكاء الاصطناعي. وبحسب الأرقام، وصل حجم الانفاق الاجمالي في الصين لصفقات الذكاء الاصطناعي الى 15.8 مليار دولار في عام 2020، بينما سجّلت الولايات المتحدة 46.6 مليار دولار.
إلا أن وفقاً للخبراء، فإن الاعمال التي تخطط لها الصين تقوم على سدّ الفجوة تدريجياً. أما عدد صفقات الاستثمار من قبل شركات رأس المال في الصين في الذكاء الاصطناعي فيشكّل أكثر من ثلثي اجمالي الصفقات في الولايات المتحدة إلى جانب الصفقات المتعلّقة بالذكاء الاصطناعي لشركات مقرّها الاساسي الصين والذي ارتفع عددها مع بداية العام الجاري.
تطبّق الصين استراتيجية تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي مع نشر التطبيقات الذكية ودفع الاقتصاد الرقمي والمشاركة في ازدهاره. وفي تقييم سريع للتحولات التي شهدتها البلاد في الفترة الأخيرة، يعتقد الخبراء أن التكنولوجيا ساهمت في تسهيل حياة المواطنين، تقصير الوقت والجهد فضلاً عن جذب العملاء إلى البلاد. بدورها تستعد الشركات داخل الصين إلى استقبال عدد أكبر من البيانات لتحليلها. فبضل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، أصبحت الصين من الدول الرائدة عالمياً مع تعزيز النماذج الذكية وتكثيف وجود الروبوتات لتحقيق التكامل.
في هذا السياق، أصدرت الصين في أغسطس 2022 وثيقة تتعهد فيها بدعم الذكاء الاصطناعي والتطبيقات الذكية في مختلف المجالات وبما فيها قطاع الزراعة والقيادة الذاتية والخدمات الطبية. على ضوء ذلك، وبالاضافة إلى سلسة من المبادرات، وصلت الصين إلى المركز الأول من حيث عدد طلبات الاختراع الخاصة بتقنية الذكاء الاصطناعي. تتعامل الصين مع الواقع الجديد مؤكدة إلتزامها بدعم قطاع التكنولوجيا عبر طرح التطبيقات الذكية والمنصات الالكترونية ومن المتوقع أن يصل حجم هذا السوق إلى 800 مليار دولار مع العقد المقبل. وتعتبر الشركات الناشئة أساسية في قاعدة ازدهار الصين عالمياً حيث أن هناك نحو 50 شركة ناشئة تعمل حالياً على تطوير نماذج لغوية ضخمة في مختلف أنحاء البلاد إلى جانب دعم الذكاء الاصطناعي التوليدي.
قلق كبير وتحديات تعيق مسار الإزدهار
تتزامن مع المخاوف بشأن مخاطر التكنولوجيا رغبة الصين في التنمية والنمو والتطوّر للاستفادة من كل الحلول المطروحة والالتحاق بقادة العالم في التقنية. وبالفعل بدأت الصين هذا المسار مع اعتمادها الأنظمة والبروتوكولات التي تتماشى مع الابتكارات الجديدة ومحاولة استيعاب سعة البيانات وحركتها الكثيفة خصوصاً مع استخدام الهواتف المحمولة والأجهزة الالكترونية. قد يستغرق اعتماد الذكاء الاصطناعي وحلوله سنوات طوال حتى يتمكّن الانسان منها.
من الناحية الطبية، تستخدم الصين الذكاء الاصطناعي لتعزيز هذا القطاع حيث أن من خلاله تقوم بتحليل الحمض النووي للأشخاص وتجمع المعلومات عن المرضى.
الحرب الذكية
في الحديث عن التفوق الاقتصادي والنمو والتنمية والاستدامة، تراهن الصين اليوم على قوتها الذكية بعيداً عن الأسلحة العسكرية التقليدية. يستفيد الجانب الصيني من الامكانات التكنولوجية وخصوصاً أجهزة الذكاء الاصطناعي وحلوله لتحقيق التفوق على مستوى العالم. فبعد التغيّرات التي فرضها الوباء، تتبع الصين استراتيجية مختلفة تعتمد على الحرب الذكية القائمة على التكنولوجيا والتي تستند إلى توظيف التطبيقات الذكية والأنظمة التابعة لها.
تتنافس الصين والولايات المتحدة على عرش الرقمنة مع دمج الذكاء الاصطناعي بكل القطاعات والسعي إلى فهم التقنيات الجديدة والاستناد إلى تحليل البيانات لفهم المستخدم وتلبية حاجاته. لطالما كانت الانطلاقة الأولى للكثير من التقنيات من الصين تحديداً التي تميّزت بتبنيها قبل غيرها من الدول. ومن أهم هذه التقنيات تقنية التعرّف على الوجه التي اعتمدتها السلطات الصينية والشركات في البلاد لتحديد المجرمين وتمييز الأشخاص وتفعيل المراقبة المحلية أيضاً. فضلاً عن العديد من الروبوتات التي أطلقت من الصين أيضاً خصوصاً في فترة انتشار الوباء والتي ساعدت السلطات على احترام قيود الحجر المنزلي وسهّلت الأعمال على المواطنين والمحجورين آنذاك. وعلى هذا الخط، واصلت الصين مسيرتها في تطوير التقنيات والروبوتات والآلات ذاتية التحكم لخدمة العملاء.
مع هذا التقدّم تخشى بعض الأوساط من المخاطر التي قد تتسبب بها التكنولوجيا خصوصاً وأن الصين قد تعتمد في الكثير من الأحيان على معلومات وبيانات المستخدم لتعزيز خوارزميات الذكاء الاصطناعي.
بين بكين وواشنطن منافسة عميقة تزداد مع الوقت وستبقى بهذه الوتيرة مع استمرار نمو التكنولوجيا بهذا الشكل المتسارع، فهل سيكون ذلك على حساب المواطنين وخصوصيتهم؟