بعد اعتماد العمل عن بُعد والهجين على مدى ثلاث سنوات في ظلّ انتشار وباء كورونا، تغيّرت اليوم رؤية مدراء العمل بالنسبة لهذه السياسة التي اختلف واقعها بين مختلف المجالات. وبينما ما زال يُفضّل العديد من الموظفين انهاء وظائفهم من منازلهم إلا أن هذا الأمر أثار استياء بعض الشركات التي تعتبر أنه حان الوقت لمعاودة الأعمال حضورياً من المكتب.
وفي الحديث عن الشركات التي بدأت بتحديد قوانين جديدة حيال هذا الموضوع، ها هي شركة غوغل تستعد لاتخاذ اجراءات صارمة ضدّ الموظفين الذين ما زالوا يستمرون بالعمل من المنزل، إلى جانب سناب، ميتا وشركة آبل وتويتر التي كانت أول من أبلغت الموظفين بتوقف اعتماد العمل عن بُعد باستثناء بعض الظروف التي تتطلّب موافقة ايلون ماسك شخصياً.
يعتبر بعض مسؤولي الموارد البشرية أن العمل من المكتب يعزز روح انتماء الموظفين إلى الشركة ومكان عملهم ولا بدّ من الاشارة إلى أن الانتاجية ستتحسّن أيضاً مما يحدث فرقاً ايجابياً ملحوظاً. وفقاً لآخر الاحصاءات، فإن الأشخاص الذين يُداومون في المكتب هم الأكثر تقدماً مقارنةً بالذين يعتمدون العمل الهجين باعتبار أن العمل عن بُعد يحدّ من تطلعات الموظّف ويعيق قدراته على التطوّر وتحقيق ذاته.
بدورهم، يعترف واحد من أصل تسع من أرباب العمل بمخاطر العمل عن بُعد من ناحية ساعات العمل والأجور التي قد تنخفض، وبرغبتهم بالعودة إلى سياسة العمل الحضوري بما أن تنظيم الأعمال داخلياً سيكون من الصعب اتمامه مع العمل الهجين. وبالرغم من أن الأزمة الصحية فرضت العمل الرقمي على العالم بأسره إلا أن الشركات اليوم تحرص على إعادة القواعد السابقة بما أن العمل من المكتب يحمل الكثير من الفوائد على مستوى الأفراد والشركة والمجتمع ككل. بحسب أحد استطلاعات الرأي، تبيّن أن 92% من مدراء العمل يفضلون العمل من المكتب مع الأخذ بالاعتبار أهمية التدريبات على كيفية اعتماد العمل الهجين في الحالات الاستثنائية، فإن توجيه الموظفين والتعامل معهم بشكل مباشر من المكتب سيكون أسهل وأقرب.
نحو 13% من الوظائف الشاغرة حالياً تعود إلى الوظائف الهجينة. فبعدما أجبر الوباء ملايين الموظفين على الانتقال إلى نمط جديد في الأعمال، لا تزال بعض المؤسسات والشركات تعمل على خلق التوازن بين العمل الحضوري والعمل الهجين لاستيعاب تغيرات المرحلة من جهة والحفاظ على مكانة الموظّف ووجوده في آن واحد.
في هذا الصدد، يقول الخبراء إنه يجب فهم سلوك الناس والحقبة الجديدة التي نمرّ بها والمتطلبات التي يحتاج إليها العمل عن بُعد من احتياجات تصميمية، هيكلية وانتاجية. قد لا تتماشى شروط العمل عن بُعد مع كل الشركات خصوصاً وأن بعضها يرتكز بشكل أساس على العمل الحضوري أو على عمليات التسليم والاتصال، وهذا ما يستدعي العودة للدوام المكتبي.
من ناحية أخرى تستفيد شركات التكنولوجيا خصوصاً وسائر الشركات عموماً من المواهب المحلية لتسهيل الأعمال في المكاتب ودفع القوى العاملة إلى الأمام. وبعكس الاستراتيجية التي اعتمدت عام 2020، ها هي اليوم عمالقة التكنولوجيا تدعو الموظفين للعودة إلى المكاتب من جديدة والتكيّف مع ثقافة العمل الحضوري التي لطالما كانت وما زالت سائدة في سوق العمل "المنتج". ففي عام 2022، لم تتجاوز نسبة العاملين عن بُعد الـ 22% بعدما بلغت نسبتهم في العام 2021 41%.
على الرغم من تراجع نسب العمل عن بُعد حول العالم خصوصاً بعد عودة الحياة إلى طبيعتها إلا أن هذا النمط قد يبقى الأنسب للكثير من القطاعات خلال السنوات المقبلة على عكس القسم الآخر من الأعمال التي ستكون أرباحها أكبر مع العمل الحضوري.