يعتبر قطاع الاتصالات من أهم القطاعات الحيوية في لبنان غير أنه بات مهدداً نتيجة التدهور الاقتصادي والمالي والخدماتي. وعلى الرغم من المهارات والقوة العاملة التي يتغنى بها القطاع، ها هي الدولة اليوم عاجزة عن تأمين التمويل والمستلزمات اللوجستية للاستمرار بسبب تفلت سعر صرف الليرة والافتقار إلى المحروقات.
حققت شركات الاتصالات اللبنانية أرباحاً طائلة خلال السنوات الماضية من حيث خدمات الانترنت والسرعة المقدمة للمستخدمين النهائيين. وعلى ضوء الصراعات السياسية، شهد القطاع تقلّبات كثيرة خصوصاً بعد اندلاع ثورة 17 تشرين عام 2019 مما فاقم الوضع وزاده سوءاً. وعلى الرغم من كل التحديات لا تزال الجهات المعنية تؤكد هدفها في الصمود والاستمرار لتقديم الأفضل.
في ظلّ هذه التطورات والأحاديث المتداولة مؤخراً عن امكانية عزل لبنان عن العالم وانقطاع الانترنت فيه بشكل كلّي، نظّمت تيليكوم ريفيو جلسة حوارية شيّقة تناولت ومجموعة من رواد القطاع في لبنان واقع الانترنت وشبكات الاتصالات في البلاد وتداعيات الأزمة الاقتصادية على كل المحاور.
تحت عنوان "قطاع الإتصالات في لبنان: من الريادة إلى التدهور الكلّي"،عُقدت الجلسة الحوارية بإدارة الرئيس التنفيذي للعمليات في منطقة الشرق الاوسط وأفريقيا، في شركة ترايس ميديا، تيليكوم ريفيو غروب، عصام عيد وبمشاركة كل من: مدير عام هيئة أوجيرو، عماد كريدية، رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي لشركة تاتش، المهندس سالم عيتاني، رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي لشركة ألفا، جاد ناصيف، رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي لشركة سوديتال، باتريك فراجيان والرئيس التنفيذي ورئيس مجلس الإدارة في شركة B.I.D.S ووزير الصناعة السابق، الدكتور عماد حب الله.
إفتتح الجلسة الحوارية الرئيس التنفيذي والمؤسس لمجموعة تيليكوم ريفيو غروب، طوني عيد، الذي لفت إلى أهمية قطاع الاتصالات والتكنولوجيا معتبراً أنه لا يمكن لأي بلد الاستمرار دون وجود بنية تحتية قوية. واعتبر عيد أنه على الرغم من كبر الأزمة والتحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد لا يزال هناك الكثير من الحلول التي يمكن تطبيقها.
بدوره، ألقى وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال، المهندس جوني القرم الكلمة الافتتاحية سلّط الضوء فيها على التحديات التي تواجه قطاع الاتصالات في لبنان وتُعيق سرعة الشبكة نتيجة انقطاع الكهرباء وشحّ الموارد الأساسية بالاضافة إلى هجرة الأدمغة والكفاءات الداعمة لهذا القطاع. على الخط نفسه، أكّد القرم الجهود التي تقوم بها الوزارة لسدّ الفجوة فالبلاد تمرّ بمرحلة صعبة على المستويات كافة. ورأى القرم أن وزارة الاتصالات بشكل خاص تقوم بعمل جبّار مقارنةً بسائر الوزارات. أما تاتش وألفا وأوجيرو فقد وحّدت الصفوف لتعزيز الخدمات وضمان استمرارية القطاع والاستثمار بالرغم من المشهد السوداوي الذي يحيط بنا قائلاً: "لم ننهَرْ ولا ننوي الانهيار. لقد أعدنا توفر الشبكة بنسبة 99%". وأكد القرم في سياق حديثه أنه بإمكاننا الخروج من الأزمة ولكن يجب التحلي بالايجابية.
وعن الأسباب التي أدت إلى هذا التدهور الكبير بعد عام 2019، وعن واقع قطاع الاتصالات حالياً في لبنان اعتبر الدكتور عماد حب الله، الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس الإدارة في شركة B.I.D.S ووزير الصناعة السابق، أن الشركات والعاملين في القطاع يلعبون دوراً أساسياً في نهوض القطاع رغم كل الأزمات السائدة وعدم الاستقرار. ولفت حب الله الى أن البنية التحتية بحاجة إلى دعم كبير مع محدودية المنافسة والقدرات المالية. من ناحية أخرى تحدّث حب الله عن ارتفاع التكلفة على المستخدمين مقارنةً بالخدمات الفعلية المقدمة مما أدى إلى تفاقم الأزمة بالاضافة إلى كل التحديات التي تواجه كافة الشركات في الدولة. وأضاف قائلاً: علينا الأخذ بالاعتبار كل التفاصيل في قطاع الاتصالات وعلى ضوء ذلك يجب تحقيق الاصلاحات المطلوبة بأسرع وقت ممكن.
من جهته شارك جاد ناصيف، رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي لشركة ألفا، التحديات التي واجهت القطاع من ناحية الأسعار والخدمات بدءاً من عام 2019 وتداعيات أزمة الدولار وسعر صرف الليرة. وأكد الجهود التي بذلتها الشركة والتي كانت بمكانها لدعم العملاء وتحسين تجربتهم؛ مع العلم أن القوة العاملة انخفضت بنسبة 30% بعد الأزمة وبنسبة 50% في العديد من الأقسام.
على مقلب آخر، أكد ناصيف تحسن أداء الشبكة في البلاد، بناءً على أحدث مؤشر عالمي لـOokla Speedtest. حالياً، يحتل لبنان المرتبة 68 من بين 100 دولة من حيث سرعة الهاتف المحمول، بمتوسط 31 ميغابت في الثانية. في يونيو 2022، كان في المركز 103 بسرعة 17 ميغابت في الثانية فقط. وأوضح ناصيف أن "هذا التقدّم هو نتيجة العمل المستمر وتحسين الشبكة، مع العلم أننا واجهنا تحديات هائلة".
من ناحيته، قال سالم عيتاني، الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس الإدارة لشركة تاتش: "هذا الانهيار الكامل" تم التعامل معه بشكل ايجابي حيث قدّمت الشركة الكثير من الحلول من خارج المألوف". وبحسب عيتاني ممكن أن تقدّم شركة تاتش شبكة الجيل الخامس بسرعة 2 جيغابت في الثانية وهامش EBITDA يزيد عن 50%، وهو أمر جيد جداً من حيث المعايير الحالية.
وتعليقاً على الواقع الراهن، اعتبر عماد كريدية، مدير عام هيئة أوجيرو: "المشكلة الاساسية تكمن في اتخاذ القرار السياسي. أدعو كل من يعمل في السياسية لاتخاذ القرارات الحكيمة في قطاع الاتصالات".
وأضاف: "لا يمكننا الاستمرار في الادعاء بأننا لا نستثمر في قطاع الاتصالات ونمنع القطاع الخاص من أن يكون جزءاً من إعادة بناء قطاع اتصالات سليم ومستدام" قائلاً: "نُعاني من القرارات السياسية وليس من التكنولوجيا أو القدرات التقنية، عملياً، لدينا ما يكفي من الخبرة والمهارات لإدارة قطاع الاتصالات. ومع ذلك، نحن نفتقر حالياً إلى الارادة والمرونة".
كما استمرت الجلسة مع مشاركة باتريك فراجيان، رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي لشركة سوديتال، الذي ناقش وجهة نظره في ما يتعلّق بخصخصة قطاع الاتصالات في لبنان، فقد أجمع الرؤساء التنفيذيون من ألفا وتاتش وأوجيرو على أن هذه الخطوة مستحيلة في الوقت الراهن معتبرين أنه يجب اتخاذ التدابير اللازمة لتحضير اقتصاد البلاد لهكذا قرار. وقد وافق فرجيان على هذا الحديث قائلاً: "من هم المستثمرون الذين سيأتون إلى لبنان ويستثمرون في اقتصاد يتسم بالتضخم المفرط وفي ظلّ غياب الخطط والتنظيم والسياسة الصحيحة للمدى البعيد".