بين الثقة واللا ثقة، ما زال الاستثمار في عالم ميتافيرس يُشكّل جدلية كبيرة وفقاً لدراسات تعتبر أن المستقبل سيكون للعناصر الافتراضية والتقنيات فقط. وبينما لا يزال شكل ميتافيرس غير واضح تماماً لرواد التكنولوجيا والأفراد بالعموم، يعرض الخبراء مخاطر العالم "الوهمي" على المدى البعيد.
في وقت تستثمر فيه شركات التكنولوجيا مليارات الدولارات في العملات المشفرة وميتافيرس والحلول الذكية، تُحذّر الدراسات المستقبلية من العالم الافتراضي مع غياب قوانين واضحة لحماية بيانات الأفراد من جهة واحتمال انتهاك المعلومات التي تتم مشاركتها مع بصمة الوجه والعين من جهة أخرى. وسط اتجاه واسع نحو العالم الرقمي، يصبح من الصعب تغيير المسار ومعاكسة الوضع الراهن. يعيش الانسان تحولات بارزة على المستويات كافة تقوده إلى مستقبل سريع يدّعي الأمان والوضوح، إنما العكس هو الصحيح. لذا يُعتبر الدخول إلى عالم ميتافيرس والاستثمار فيه بممتلكات وغيرها من النشاطات مجازفة كبيرة. ما هي المخاطر المتمثّلة بدخولنا إلى عالم ميتافيرس على الصعيد الشخصي، العملي، الاقتصادي والاجتماعي؟
الروتين الرقمي: مخاطر وسلبيات العالم الجديد
يذكر الخبراء مشكلة فعلية في ظلّ غياب أنظمة حماية المستثمرين في العالم الافتراضي وميتافيرس تحديداً. في هذا الاطار، كان للمفوضيّة الأوروبيّة اجتماع سبق أن ناقشت فيه كيفية تقديم تجربة مميّزة للعملاء من دون تعرّضهم للخطر. فيما يفتقد هذا العالم إلى الأمن الالكتروني، لا بدّ من التريّث قبل وضع استثمارات ضخمة في هذا المجال الذي قد يتغيّر في المستقبل. فإلى جانب قصص النجاح التي طبعتها شركات التكنولوجيا بهذا القطاع، والعائدات التي حققتها تتركّز بعض التحديات أمام المستثمرين والمستخدمين الجدد.
وسط كم هائل من الحسابات والمواقع الالكترونية يجب التأكد من نضوج التقنيات المستخدمة لتحقيق الأمن الرقمي المطلوب. وفي هذا الخصوص، يقدّم الخبراء نصائحهم منها التعامل بالعملات غير القابلة للاستبدال، إنشاء أفاتار للدخول إلى العالم الافتراضي لتجنّب المشاكل واتخاذ خطوات ثابتة تجاه عالم ميتافيرس.
يُعد تسريب البيانات والمعلومات الشخصية من التطبيقات الذكية مشكلة كبيرة معقدة. لذا يتم العمل على توفير فضاء إلكتروني آمن للعملاء والمستخدمين. فقبل أن يتوسّع نطاق ميتافيرس باتت التهديدات كثيرة ومتنوعة. كثيرون هم من يدخلون إلى هذا العالم من دون أن يفهموا عواقبه على المدى البعيد.
أما في ما يتعلّق بالاشراف على بث الفيديو أو الاتصالات فمن الصعب التحكّم بها في عالم افتراضي بالكامل مما يزيد خطر تداول الشائعات أو الأكاذيب. ويُرجّح الخبراء في هذا المجال أن تصبح ممارسة كل الأعمال قريباً على الانترنت أو ميتافيرس مع تعقّب الأشياء بوقتها الآني. كما يضيف التواجد على الانترنت عاملاً آخر للمقرصنين لتكثيف عملياتهم واستهداف أكبر عدد ممكن من العملاء. فمع غياب التشريعات الصارمة بهذا الشأن تتضاعف طرق الاحتيال الالكتروني ليصبح من الصعب على شركات التكنولوجيا تقديم تجربة مميّزة كما ترغب.
آفاق ميتافيرس أقرب إلى الواقع
تختصر نظارات الواقع الافتراضي عالم ميتافيرس بكل مقوماته حيث يمكن للمستخدم التنقل واستكشاف المواقع، إنجاز أعماله والمشاركة بالاجتماعات الافتراضية من مكانه. يصف عمالقة التكنولوجيا ميتافيرس بمستقبل الانترنت مع سرعة الاتجاه نحوه بعد تداعيات الوباء. وعلى ضوء ذلك، تُنفق الشركات اليوم أموالها للانتقال إلى ميتافيرس تدريجياً ومنها شركة ميتا التي استثمرت نحو 10 مليارات دولار في العالم الافتراضي خلال العام 2021.
بدورها، تُشكّل الابتكارات والمشاريع الناشئة جزءاً مهماً من صناعة ميتافيرس إضافة إلى عدد من المنتجات الرقمية التي تهدف إلى تزويد المستخدم بتجربة آمنة رقمياً وعلى المستويات كافة. أنفق مستخدمو الانترنت أكثر من 1.5 مليار دولار في مجال الميتافيرس والمنصات الالكترونية مع نهاية العام 2021، كما في المقابل نشطت مبيعات الأجهزة الرقمية الذكية.
في التقارير الأخيرة تظهر شبكة من التطبيقات الذكية التي تدعم المستخدم وتسهّل له الاندماج في عالم الانترنت أونلاين أينما تواجد حول العالم. ويُجسّد ميتافيرس العالم الواقعي بصورة رمزية مع مساحات إفتراضية. لذلك تسعى شركات الألعاب الالكترونية إلى تطوير محتواها ليتوافق مع شروط الدخول إلى ميتافيرس وبالتالي تغيير نمط حياة الانسان.
تعمل عمالقة التكنولوجيا على توظيف آلاف الموظفين في مشروعها الخاص بميتافيرس ودعم الانفاقات وتطوير النسخ التجريبية للوصول إلى أفضل نسخة على الاطلاق. فإلى جانب ميتا، شركات عالمية أخرى تولي اهتمامها بمنصات ميتافيرس مع محاولتها فهم السياسة الجديدة لحياة أكثر سهولة في مجالات عدّة.
ووفقاً للمعلومات قد يصل حجم الاستثمارات في ميتافيرس إلى 120 مليار دولار مصدرها الادارات العامة والشركات الخاصة ورواد الاتصالات والمتخصصين بمجال التكنولوجيا والتقنية.
ما مصير الأموال والاستثمارات؟
يُنفق الرواد في عالم ميتافيرس مبالغ طائلة من دون معرفة مصير هذه الأموال والانفاقات. فبين من يبدون رغبتهم التامة بالانتقال إلى ميتافيرس والعالم الافتراضي، يتخوّف البعض الآخر من عيوب هذا العالم.
يبقى الرهان على ميتافيرس كبيراً خصوصاً وأن العالم الافتراضي ما زال قيد البحث والتطوير. أما عن العقارات الوهمية والاستثمارات فهي بدورها تواجه مصيراً صعباً مع تقلب أسعار العقارات الافتراضية التي انخفضت بنسبة تتراوح بين 59% و80% أواخر العام 2022. وقدّر البعض أن مثل هذه التراجعات تعود إلى حركة الاقتصاد في الواقع وسوق العملات المشفرة والتداول بها.
على الرغم من ذلك، تضع الشركات العالمية آمالها بالعام الافتراضي حيث من المتوقع أن تزدهر التجارة الالكترونية في ميتافيرس لتصل إلى 2.6 تريليون دولار بحلول العام 2030 مع تطوير سياسة البيع والشراء وتحسين شروط التملّك.
فيما ينتظر العالم ما سيأتي به ميتافيرس خلال السنوات المقبلة، لا يمكن إنكار المخاطر التي تدور حوله. فإن فكرة "إستنساخ" العالم الواقعي بالعالم الافتراضي عبر الانترنت وعلى ميتافيرس ليست بهذه السهولة. وإذا كان التحول الرقمي يفرض على العالم شكلاً جديداً فلا بدّ من بناء ثقة بين المستخدمين ورواد العالم الافتراضي لتطوير الأنظمة على هذا الأساس.