يحاكي الذكاء الاصطناعي القدرات البشرية التي لا تزال قادرة على التحكم بكل الآلات المتاحة من خلال الاستنتاج والتفكير والتعلم. كما ترفع هذه التقنية مستوى التفاعل بين المستخدم والأجهزة الذكية للاستفادة من مميزات عدّة من شأنها أن تقلل الخطأ البشري وتقلّص المخاطر التقنية واللوجستية.
على ضوء التداعيات التي خلّفها الوباء، ساهم الذكاء الاصطناعي بشكل أساسي بنهوض المجتمع ككل مع استخدامه في مختلف المجالات والقطاعات لتسهيل الأعمال وإدارتها بشكل افتراضي عن بُعد: لمعالجة المرضى وارسال بياناتهم وتخزينها أونلاين، تأمين التواصل بين فرق العمل ضمن الشركة الواحدة، اتخاذ قرارات أفضل وفرض الحلول المناسبة وتطبيقها. تشكّل تقنية الذكاء الاصطناعي ركيزة المستقبل القريب في المنطقة والعالم حيث تكثر الاستثمارات فيه مع تطور الخدمات الحكومية والخاصة. وبحسب الدراسات، ينعكس اعتماد الذكاء الاصطناعي على نمو الاقتصاد عالمياً الذي من المرجح أن تصل قيمته إلى 320 مليار دولار أميركي بحلول العام 2030. على هذا الخط، تسرّع الحكومات والمنظمات والمؤسسات استخداماتها للتقنيات الذكية وأهمها الذكاء الاصطناعي لزيادة التواصل والفعالية في إنتاج الأعمال. تطرح الفعاليات المعنية استراتيجياتها الخاصة بآلية تنفيذ الذكاء الاصطناعي والاستفادة منه لتحقيق التقدم على نطاق واسع.
وفي وقت تتحضّر فيه الشركات التقنية للمرحلة المقبلة من التطوّر، يصبح الذكاء الاصطناعي هدفاً من أهداف الدول لتحقيق رؤية 2030؛ عبر الانتقال إلى الخدمات الالكترونية، التحول إلى المدن الذكية، تكثيف المكاتب والمباني الذكية وتحسين البنية التحتية الرقمية. كما تعزز المؤسسات ممارساتها في مجال التكنولوجيا مع توفير الأنظمة وشبكات الاتصالات الحديثة لنقل المعلومات والبيانات بشكل فوري. توازياً، تلتفت شركات الاتصالات إلى تطوير شبكات الجيل الخامس والعمل على نشرها لتوفيرعرض النطاق الترددي والشبكات المؤاتية لأجهزة الاستشعار.
إستراتيجية الدول العربية لتبنّي الذكاء الاصطناعي
تُجسّد الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا صورة نموذجية عن المرحلة المقبلة التي تعتمد على التقنيات الذكية وتشجع الحكومات على التوجه نحو الحلول الرقمية. كما تتبنى الحكومات مفاهيم الذكاء الاصطناعي لتحقيق التنمية المستدامة والمشاريع الانمائية اعتماداً على بيئة مبتكرة وخدمات لامتناهية. ووفقاً للدراسات، يتيح الذكاء الاصطناعي فرصة أكبر لتثبّت الشركات نفسها على مستوى العمل والمجتمع والأفراد والتوجه نحو التحول الرقمي السريع بالاضافة إلى توظيف المهارات والكفاءات الضرورية لتحسين العمل التكنولوجي وتطوير السياسات الحالية المعتمدة من قبل الفرق التنفيذية. منذ سنوات قليلة تشهد منطقة الشرق الأوسط نقلة نوعية في مجال التكنولوجيا عموماً وبتقنية الذكاء الاصطناعي خصوصاً مما جذب الاستثمارات نحو المنطقة وأدى إلى اعتماد التقنيات الذكية بشكل آمن وبمستوى متقدم.
يقول الخبراء إن الاستثمار بالذكاء الاصطناعي هو بمثابة خطوة الى الأمام لاطلاق المزيد من المبادرات المثمرة والفاعلة والايجابية. فإن اعتماد الانترنت والمواقع الرقمية أدى إلى معرفة الشركات سلوك العملاء بشكل أفضل وفهم توجهاتهم. لذلك، ويتم العمل على تطوير الذكاء الاصطناعي وفقاً لخطة شاملة لتقّدم مجموعة كبيرة من الخدمات الرقمية تستجيب لاحتياجات السوق.
بدورها تؤكد الجهات المعنية في الامارات على أهمية اعتماد الذكاء الاصطناعي مما يجعل الدولة قادرة على تخطي المشاكل بمرونة وسرعة ويعزز أنظمة الأعمال الالكترونية بطريقة آمنة. كما تشهد القطاعات العامة والخاصة في الامارات مفاهيم متجددة تنقلها إلى مرحلة متطورة تضمن من خلالها استمراريتها.
هذا وتتقدم المملكة العربية السعودية بمسارها في عملية التحول الرقمي مما يجعلها تحقق انجازات غير مسبوقة على مستوى الاقتصاد الرقمي والتقنية. لهذه الغاية أطلقت المملكة مشروع "نيوم"، الذي يتبناه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والذي يجسد صورة المدينة العصرية للخدمات المتنقلة والرقمية. كما تهدف المملكة إلى توفير نظام خاص للاتصالات المشفرة بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي. مقابل هذه الخطوات تعمل الجهات المعنية السعودية على توفير البنية التحتية وشبكات الجيل الخامس ورأس المال لتأمين التواصل والاتصال بين الأفراد وأجهزة الاستشعار الذكية في الوقت الفعلي.
وفي وقت تسعى فيه المنطقة العربية للدخول إلى مرحلة "الانتعاش" الشامل، تم إنشاء الهيئات الخاصة بالذكاء الاصطناعي للارتقاء بالمجتمعات.
ضمن مسيرتها الفاعلة في مجال التقنية، تعمل الحكومة المصرية على تنمية التقنيات الجديدة. فمن المتوقع أن يساهم الذكاء الاصطناعي بـ 7% من الناتج المحلي المصري بحلول العام 2030. وتثبت البيانات والدراسات أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساهم في نمو الاقتصاد في البلاد ويطوّر القدرات البشرية على عكس المخاوف المنتشرة، ليخلق المزيد من الفرص أمام الشباب المتخصصين في هذا المجال. وتشمل استراتيجية مصر بناء قاعدة للذكاء الاصطناعي تتمثل بدعم المهارات والأفراد والكفاءات مع الحفاظ على البيئة الرقمية المؤاتية. هذا وتسعى مصر إلى تفعيل علاقاتها الاقليمية والخارجية مع تضمن خطة الذكاء الاصطناعي في رؤيتها المستقبلية وفقاً لمستندات واضحة تهدف للوصول إلى الازدهار المضمون.
على مستوى العالم، تعتبر الصين إحدى الدول الأساسية في تبني الذكاء الاصطناعي هي التي تعيش في العالم الافتراضي المستقبلي كبديل للعالم الواقعي الذي توقّف خلال فترة انتشار الوباء. وتتفوّق الصين بذلك على الولايات المتحدة وغيرها من الدول النامية مع استخدامها هذه التقنية لتطوير المجالات الحيوية.
يُطبّق الذكاء الاصطناعي في كافة أمورنا اليومية خصوصاً في المدن الذكية التي تكثر فيها السيارات ذاتية القيادة والمستشفيات الافتراضية والمراكز التي تستخدم تطبيقات الدردشة الفورية للتواصل مع العملاء عبر الروبوتات فقط. كما تثبت الدراسات أن استخدام الذكاء الاصطناعي يؤدي إلى رفع مستوى حياة الأفراد ويحسنها، فها هي اليابان تعمل على تطوير عملياتها لتفعيل استخدام التقنيات الذكية ومنها الذكاء الاصطناعي. كذلك الحال في نيوزيلاندا التي تعتمد فيها السلطات على الذكاء الاصطناعي للتعرف على المواطنين وتحديد هويتهم في الوقت الفعلي. ثم سينغافورة التي تتجه نحو الحلول الرقمية لحل المشاكل التقنية والازدحام في المدن بالاتكال على خوارزميات الذكاء الاصطناعي. وتهدف الدول من خلال هذا التحول الى مواكبة التطورات المتسارعة في قطاع الاتصالات والأعمال.
براءات الاختراع في مجال الذكاء الاصطناعي تشير إلى ثورة رقمية
يرتفع عدد سكان العالم ومعه عدد طلبات براءات الاختراع في التقنيات الذكية والأجهزة الالكترونية والذكاء الاصطناعي. وبحسب الخبراء، يتم تقديم الطلبات من الصين والولايات المتحدة بشكل كبير مقارنةً بسائر دول العالم. ويعود ارتفاع طلبات براءات الاختراع إلى عدة أسباب منها تعدد استخدامات التقنيات الرقمية خصوصاً الذكاء الاصطناعي الذي بات وفيراً للاعمال الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية. بالاضافة إلى ذلك، يلعب توجه الشباب إلى الاختصاصات التقنية دوراً بارزاً بهذا الموضوع فهم يقدمون الأفكار الجديدة والدعم لتحويل الرؤية الافتراضية إلى حقيقة واقعة وطرح المزيد من الابتكارات في هذا المجال. في ظلّ الثورة الصناعية الرابعة، يعيش الانسان تحولاً بارزاً ليس فقط في المجالات اليومية فحسب بل في عالم الرقمنة والتكنولوجيا التي لا تحدّها آفاق.
بينما كانت أغلب طلبات الاختراع تأتي من قبل شركات تقنية ظهرت في بعض الحالات أن الذكاء الاصطناعي هو نفسه المخترع. تنص القوانين على أن تكون الاختراعات التي يولدها الذكاء الاصطناعي قادرة على الحصول على براءة اختراع تحميها. فبينما كانت تقتصر ابتكارات الذكاء الاصطناعي في السابق على المجالات الاقتصادية والأكاديمية، أصبح اليوم الحل الأنسب الذي يتجه إليه الخبراء لتطوير مهاراتهم وتثبيت كفاءاتهم. كلما تطورالذكاء الاصطناعي كلّما تطلّب ذلك تعديلات بقانون منح براءات الاختراع للأفراد. وتعتبر بعض الشركات أن الابتكارات الفعلية هي التي تعتمد على العقل البشري ويمكن أن يتم تطبيقها من خلال الذكاء الاصطناعي كمعيار أساسي في التنفيذ.
لن يقتصر تطور الذكاء الاصطناعي على المرحلة التي وصل إليها اليوم بل هو في تطور مستمر نظرياً وتطبيقياً. فبين تسهيل الأعمال وتحسين جودة الحياة، من المرجح أن يصل حجم سوق الذكاء الاصطناعي إلى أكثر من نصف تريليون دولار بحلول العام 2024، على أن ترتفع الايرادات بشكل ملحوظ بحلول العام 2030. هذا وقد نمت نسبة الشركات التي تدمج الذكاء الاصطناعي بأعمالها من العام 2015 لغاية اليوم.
وقد استقبلت الشركات الرائدة هذا التحول مع زيادة الاستثمارات السنوية بمجال التقنية والتكنولوجيا وتحسين مراكز الأبحاث والتطوير.
بدورها تُمكّن شركات الاتصالات تعاوناتها بما يتوافق مع أهداف رؤية 2030 وللوصول إلى النمو المستدام حيث تعمل شركات stc وإريكسون وهواوي ونوكيا على أن تكون من أبرز الشركات في مجال تطوير الذكاء الاصطناعي وتعزيز وجود الخدمات الرقمية محلياً.
يعز الذكاء الاصطناعي العلاقات الدولية والعملية بين الشركات المحلية والعالمية مما يخلق هذا الكيان الواحد المبني أساساً على التقنية والتكنولوجيا. كما تتعهد الشركات الناشئة بتخصيص استثمارات سنوية لتطوير الذكاء الاصطناعي وتيسير عمله واندماجه في كافة المجالات دون استثناء.