مع زيادة استخدام الأجهزة الذكية يرتفع حجم المخلفات الالكترونية التي تُسجّل أرقاماً قياسية لم نشهد مثلها من قبل. فمع الاتجاه نحو الطاقة النظيفة، تدعو شركات التكنولوجيا والاتصالات إلى إعادة تدوير رواسب هذه الأجهزة والحد من هدر النفايات الالكترونية.
يكشف منتدى النفايات الكهربائية والأجهزة الالكترونية عن إجمالي النفايات الالكترونية التي تم هدرها في العام 2021 والذي بلغ 57.4 مليون طن بعدما كان في العام 2020 53.6 مليون طن. ومن المنتظر استمرار ارتفاع حجم النفايات الالكترونية على مستوى العالم ليلامس 74 مليون طن بحلول العام 2030 مع زيادة استهلاك الأجهزة الالكترونية بنسبة 3% سنوياً. نتيجة لذلك، يتعاون القطاع الخاص والقطاع العام لإعادة تدوير الأجهزة الذكية القديمة بشكل سليم وآمن مع إشراف هيئات الاتصالات ووزارات البيئة التي تشجع على هذه الخطوة لما لها من أهمية في احتواء المواد السامة والكيمائية الضارة الموجودة في الأجهزة ومنها الزئبق، الرصاص وغيرها العديد. وفقاً للدراسات يجذب هذا المجال رجال الأعمال للاستثمار فيه ولإعادة تدوير هذه المخلفات بشكل حديث. لا تنحصر المخلفات الالكترونية في بلد أو منطقة معيّنة بل هي تتواجد في كافة أنحاء العالم: تنتج مصر نحو 90 ألف طن من النفايات الالكترونية سنوياً، 58% من القطاع الخاص، 23% ينتج من المنازل و19% من استخدامات القطاع العام إلى جانب سائر القطاعات منها قطاع الاتصالات والتكنولوجيا الذي ينتج عنه وزن هائل من النفايات الالكترونية. كذلك تدعم بعض الدول العربية خطة إعادة التدوير من خلال استراتيجيات لإدارة المخلفات مع تجهيز البنية التحتية واليد العاملة للوصول إلى صافي انبعاثات صفرية وخفض نسبة النفايات الالكترونية على مدار السنوات الخمس المقبلة.
أهم مبادرات الدول والشركات لإعادة تدوير النفايات الالكترونية
في إطار جهودها للتخلّص من الانبعاثات الضارة، تهدف شركات الاتصالات والتكنولوجيا إلى تكثيف مبادراتها لخفض نسبة المخلفات الالكترونية التي تؤثر سلباً على الانسان والطبيعة. لهذا الهدف أطلقت وزارة البيئة المصرية بالتعاون مع شركة الاتصالات فودافون مصر حملة توعوية حول آثار المخلفات الالكترونية وأهمية إدارتها من خلال جمعها أو التخلص منها بالطريقة الأنسب. هذا وقد تم إطلاق مبادرات شبابية لجمع المخلفات الالكترونية من المستخدمين والتخلص منها بشكل آمن بالاضافة إلى التعاون مع المنظمات والجمعيات العامة والأهلية لإعداد مشاريع إدارية تهتم بالمخلفات الالكترونية. هذا وقد تم تفعيل الكثير من التطبيقات الذكية لتقديم الارشادات والحوافز للمستخدمين للتخلص الآمن من المخلفات على أنواعها. ففي مصر تم تدشين 7 مصانع تدوير للنفايات الالكترونية على أن يتم تدشين 6 أخرى إلى جانب المصانع التي تعمل على استخراج المعدن والنحاس والمواد السامة من الأجهزة الذكية كالهواتف المحمولة أو شاشات الكمبيوتر. بدورها نظّمت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مصر مبادراتها في هذا المجال لدعم الأنظمة السليمة لتأمين الاستدامة.
يوضح الخبراء البيئيون أنه لا يكفي التخلص من النفايات الاكترونية بل يجب معرفة كيفية التخلص من المواد السامة التي تحتويها. فإذا تم حرقها قد ينتج عنها غازات سامة مضرة للأشخاص وللهواء وقد يأخذ تحللها لعدّة سنوات تصل إلى 25 عاماً. كما يؤثر تسرّب هذه المواد على سلامة الأرض وصلاحيتها للزراعة وسلامة المياه الجوفية. حصلت بعض الشركات المصرية على رخصة لإعادة تدوير المخلفات الالكترونية والتعامل معها بموجب القوانين الصادرة.
كذلك تصدرت الإمارات في هذا المجال حيث قامت المدينة المستدامة في دبي بإنشاء محطة لجمع المخلفات الالكترونية والأجهزة الذكية القديمة أو المستهلكة لمحاولة إعادة تجديدها وتسليمها إلى المحتاجين. تستخدم هذه المحطة المواد المفيدة لتصنيع الأجهزة الجديدة وهي تهدف إلى التخلص من 50 مليون طن من النفايات الالكترونية سنوياً وتشجع المسخدمين على تسليم أجهزتهم القديمة أو غير المرغوب بها لإعادة تدويرها أو استخدامها وعدم التخلص منها بطريقة عشوائية. لذلك تُعد هذه المحطات من العناصر الأساسية في مراحل إعادة التدوير للأجهزة الالكترونية خصوصاً في المجتمعات التي تطمح إلى تخفيف الانبعاثات ومساعدة البيئة على الحد من الأضرار والمواد السامة. تُصنّع شركات التكنولوجيا أحدث الأجهزة الالكترونية التي تلبي رغبات المستخدم بأعلى درجات فيمتنع عن بيعها أو رميها بعد فترة.
تشكل عملية تدوير النفايات الالكترونية في السعودية تحدياً كبيراً على صعيد الكلفة والقدرة. نتيجة لذلك، تستعد شركات التكنولوجيا إلى زيادة استثماراتها في هذا القطاع وتعبّر عن رغبتها بالتوسع عربياً وخليجياً والسعي للحد من المخلفات الالكترونية مع دعم مشاريع إعادة التدوير. بقدر ما يقدم هذا القطاع من فوائد بقدر ما يطرح تحديات أمام المملكة التي تفتقر إلى سياسات واضحة تشمل بها العمل التنظيمي والتطبيقي مما يخلق عدم توازن بين عملية تصنيع الأجهزة الذكية وعملية تدويرها. وتُقدر قيمة النفايات الالكترونية والكهربائية حول العالم بنحو 62.5 مليار دولار أي أكبر من الناتج المحلي في 123 دولة. إلا أن الحكومات بات لديها الوعي الكافي للتصرف بهذه المخلفات.
بهدف الحد من الهدر، تستورد بعض الدول أجهزة كهربائية بحالة جيدة كالهواتف المحمولة المستعملة أو أجهزة الكمبيوتر وما إلى ذلك. تساعد هذه الممارسات في نمو الاقتصاد حيث تنقل الشركات أجهزتها الالكترونية إلى شركة أو دولة أخرى للاستفادة منها. في هذا الخصوص يشدد أحد رؤساء معمل للتدوير على توسع سوق الأجهزة الالكترونية المستعملة.
مواد يمكن إعادة تدويرها في الهواتف المحمولة
يتكوّن الهاتف المحمول من عدّة مواد منها السامة ومنها الأقل ضرراً على البيئة، ومن بين هذه الأخيرة مواد محددة يمكن إعادة استخدامها بسهولة: الغاليوم Gallium ويستخدم في أجهزة قياس الحرارة الطبية، ومصابيح LED، والألواح الشمسية، والتلسكوبات وله خصائص محتملة مضادة للسرطان. الزرنيخ Arsenic: يستخدم في الألعاب النارية كمادة حافظة للأخشاب. الفضة: تستخدم في المرايا، والعدسات التفاعلية التي تغمق ضوء الشمس، والملابس المضادة للبكتيريا والقفازات للاستخدام مع الشاشات التي تعمل باللمس. الإنديوم: يستخدم في الترانزستورات والرقائق الدقيقة وأنظمة رش النار، كطلاء لمحامل الكرة في سيارات الفورمولا 1 والألواح الشمسية. التنتالوم: يستخدم في عمليات الزرع الجراحية.
حلول وخيارات عدّة يمكن اعتمادها بدلاً من التخلص من مخلفات الأجهزة الالكترونية القديمة لكن قبل القيام بذلك تأكد من حفظ البيانات والمعلومات التي تريدها من صور وملفات خاصة ثم قم بإزالة كل أدوات التخزين الموجودة بالجهاز قبل التخلص منه نهائياً. أما الأجهزة المعطلة وغير القابلة للاصلاح فيمكن نقلها إلى متاجر التجزئة التي توفر لك خدمة التخلص منها أو تفكيكها للاحتفاظ بالأجزاء الصالحة وبيع الأجزاء المعطلّة.
حددت الدول الأعضاء في الاتحاد الدولي للاتصالات هدفاً عالمياً بشأن المخلفات الإلكترونية لعام 2023 من أجل زيادة نسبة إعادة تدوير المخلفات الإلكترونية العالمية إلى 30% ورفع النسبة المئوية للبلدان التي لديها تشريعات بشأن المخلفات الإلكترونية إلى نسبة 50%. في العام 2019 وصلت نسبة إعادة تدوير المخلفات الإلكترونية الرسمية إلى 17.4% وبلغ عدد البلدان التي أقرّت سياسات أو لوائح بشأن المخلفات الإلكترونية 78 بلداً أي نحو 71% من سكان العالم. يُعد الشق التمويلي في عمليات التدوير أمراً ضرورياً حيث يساهم رجال الأعمال والشركات بتغطية هذه التكلفة ومتابعة نهج متشارك مع الدول الأخرى لتنفيذ السياسات التي بموجبها تؤمّن الأموال الضرورية لعمليات التدوير وتقسيم المعدات الالكترونية. فكما المنطقة العربية كذلك أفريقيا تحدد حلولها في هذا المجال حيث تركّز غانا، الكاميرون، ساحل العاج، نيجيريا وجنوب أفريقيا على استيراد الالكترونيات وإعادة تدويرها لضمان الاستدامة والمساهمة بحل مشكلة المخلفات الالكترونية عالمياً. كما دخلت غيرها من الدول في هذا السباق لتشارك في حماية البيئة في ظل انتشار شبكات الانترنت واستخدام الأجهزة الذكية واعتماد التكنولوجيا أكثر من أي وقت مضى.