مع دمج التكنولوجيا في الأعمال ودخول تقنيات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء إلى حياتنا اليومية، تُخصص منطقة الشرق والأوسط وأفريقيا استثماراتها لتطوير مراكز البيانات التي وصلت قيمتها في العام 2021 إلى 6.55 مليارات دولار على أن ترتفع إلى 12.19 مليار دولار بحلول العام 2027. وبينما تهتم دول المنطقة بالتحول الرقمي، تعمل كذلك على جذب الشركات الخارجية مع تعزيز انتشار الجيل الخامس، تطوير البنية التحتية الرقمية، تبني المدن الذكية وغيرها من مقوّمات الثورة الصناعية الرابعة.
تدفقت الأموال على الكابلات البحرية ( Africa-1, 2Africa ) خلال السنوات الأخيرة مع تطوير بنية الألياف الضوئية لاتصالات أفضل مع الدول الخارجية. هذا الاتجاه قاد إلى ازدهار مراكز البيانات. تعتبر شركات الاتصالات، مزودي الخدمات والمشغلين من أهم المستثمرين في مراكز البيانات في الشرق الأوسط وأفريقيا إلى جانب مزودي خدمات السحابة الذين من المتوقع تثبيت مكانتهم في المنطقة خلال الفترة المرتقبة. يقود كل من عُمان، الامارات، قطر، المملكة العربية السعودية، تركيا، جنوب أفريقيا ومصر سوق مراكز البيانات حيث ينشط فيها قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات مع تحقيق ايرادات سنوية طائلة. يرتبط نمو بنية الاتصالات بنمو البيانات وحركتها التي تزيد مع زيادة طلب العملاء على الخوادم. يُمثل الاستثمار في تبريد مركز البيانات 15-20% من إجمالي الاستثمار في إنشاء مركز البيانات، باستثناء اعتماد البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات.
في العام 2021، كانت الإمارات المساهم الأكبر باستثمارات البيانات مع أكثر من 10 مراكز للبيانات. بينما في أفريقيا، شهدت جنوب أفريقيا استثمارات كبيرة لنحو ستة مرافق لمراكز البيانات، تليها تركيا والمملكة العربية السعودية وكينيا ونيجيريا وإثيوبيا ومصر فالمغرب. كذلك عمل كل من تلك الدول على تنمية المدن الذكية لديها مما يدعم سوق مراكز البيانات إلى جانب تنظيم الهيئات الحكومية الخاصة ودعم المبادرات الخاصة لتطوير مناطق اقتصادية خاصة ومجمعات صناعية تقدّم اعفاءات ضريبية لصالح مراكز البيانات.
البيانات الضخمة أهمّيتها وكيفية استخدامها
تتميّز البيانات الضخمة أو Big Data بسرعتها وضخامة حجمها، كما يدل اسمها، حيث يصعب معالجتها وتخزين البيانات اعتماداً على الطرق التقليدية كونها تنمو بصورة مستمرة وبشكل هائل مع مرور الوقت.
تنقسم البيانات الضخمة بين مواقع التواصل الاجتماعي، الأجهزة الالكترونية، محركات السيارات والطائرات وشبكات الاتصالات. فمع مواقع التواصل الاجتماعي، تدخل أكثر من 500 تيرابايت من البيانات يومياً إلى مركز البيانات الخاص بمنصات فيسبوك، إنستغرام وغيرها على شكل صور، تعليقات ومنشورات تتم مشاركتها من قبل المستخدمين. على الخط نفسه، تحتاج مركبات الطائرات إلى أكثر من 10 تيرابايت من البيانات، فيتم تخزينها ومعالجنها لاستكمال عمل الطائرة بشكل طبيعي.
هذا وتُستخدم البيانات الضخمة لتحسين أنظمة أعمال الشركات وعملياتها اليومية بهدف تقديم خدمة سريعة وتطوير العمليات التسويقية والاعلانية الموجهة للعملاء في كافة أنجاء العالم. كما يمكن للبيانات الضخمة أن تتخذ التدابير الضرورية لزيادة الأرباح ورفع الايرادات. يقوم مقدمو الخدمات السحابية العالمية مثل شركة أمازون AWS ومايكروسوفت بتوسيع وجودهم مع مناطق السحابة الجديدة في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا كما يتمتع هؤلاء بقدرة عالية على تخزين البيانات الضخمة ودعم البنية التحتية للشبكة.
أما في القطاع الصحي، فيستخدم الأطباء البيانات الضخمة لتشخيص الحالات المرضية ومعالجتها وتجميع السجلات الطبية لكل فرد من خلال اللجوء للمنصات الالكترونية والبيانات المسجلّة على شبكة الانترنت. توفر البيانات الضخمة مستوى عالياً من العلاجات للارتقاء بالمستشفيات والمنظمات الصحية والمؤسسات الحكومية التي تهدف إلى خدمة المواطن. بدورها تستعين شركات النفط بالبيانات الضخمة لتحديد مواقع أنابيب النفط والغاز ومراقبة العمليات التي تجري على أرض الواقع.
يقول الاتحاد الدولي للاتصالات إنه لا يمكن حصر البيانات الضخمة بل هي تتكوّن من بيانات متعددة المصادر ومختلفة الأحجام. وتستفيد المؤسسات العامة والخاصة من مميزات البيانات الضخمة لما لها من انعكاسات ايجابية على صنع القرارات واتخاذها، مواكبو العملاء، تحسين الجودة والكفاءة متابعة العمل بوتيرة سريعة. وبالحديث عن ارتداد البيانات الضخمة، تصرّح إحدى الشركات الرائدة في قطاع الأعمال بقدرتها على تحسين نتائج البحث عن منتجاتها على المواقع الالكترونية بنسبة تتراوح بين 10 و15% بعد استعانتها بالبيانات الضخمة. إضافة إلى قطاع الأعمال تستفيد قطاعات أخرى من البيانات الضخمة منها قطاع التعليم، الطاقة، التجارة والخدمات. أما ما هي الفرص الأخرى التي توفرها البيانات الضخمة؟
يشير الخبراء إلى علاقة البيانات الضخمة بنشر شبكات الجيل الخامس وتغذية مراكز بيانات edge إلى جانب تعزيز عمليات نشر الألياف الضوئية والكابلات البحرية. هذا وتساهم البيانات الضخمة في تعدد مشاريع المدن الذكية مع إقامة بنية تحتية رقمية جديرة بالاستخدام.
الدول العربية والخليجية تقيم سلسلة من مراكز البيانات الضخمة
تتجه الدول العربية إلى توقيع المزيد من الشراكات لتعزيز الرقمنة ودعم البنية التحتية الرقمية في البلاد مع الحفاظ على أمن الخصوصية والحماية الالكترونية. في هذا السياق، وقّعت المملكة العربية السعودية شراكات مع ألمانيا لتطوير المعدات والأجهزة الالكترونية التي تهدف إلى إنتاج وخدمة مراكز البيانات الضخمة على صعيد منطقة الشرق الأوسط. ويكشف المعنيون في المملكة عن رغبة المؤسسات الحكومية والخاصة بتأسيس شركة "مركز بيانات الجيل التالي" الخاصة بمراكز البيانات في الرياض؛ وبهذه الخطوة تكون الرياض قد حققت خطوة مثالية في تقدّم السعودية بمجال مراكز البيانات. أما الشركة الألمانية فهي شركة آمنة متخصصة بمراكز البيانات، تحترم أنظمة الأمن السيبراني والطاقة المتطوّرة. كما تحمل الشركة تقنيات جديدة تضمن التنمية المستدامة. وقد تم توقيع العقد بين الدولتين بقيمة 560 مليون دولار لتأسيس شركة مشتركة في المملكة العربية السعودية على أن تُباشر عملها في شهر سبتمبر 2022.
بدورها أعلنت دبي عن خططها المستقبلية لافتتاح مراكز بيانات في الإمارات خلال العام الجاري مع توفّر منطقة "أمازون ويب سيرفيسز" في الشرق الاوسط المؤلفة من ثلاثة مراكز بمراكز البيانات. يأتي هذا المشروع استكمالاً لرؤية الإمارات وللتقدم الملحوظ الذي نشهده على مستوى قطاع التقنية والحوسبة السحابية والتكنولوجيا في الشرق الأوسط مع رغبة الدول بتمكين العملاء من استخدام التطبيقات الذكية وتخزين البيانات بطريقة سريعة، آمنة وسهلة. على ضوء ذلك، تستفيد الشركات من الخدمات والابتكارات التي يوفّرها الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي وإنترنت الأشياء. كما يعتبر المتخصصون في الاستثمار والتقنية في دبي أن "أمازون ويب سيرفيسز" تخطط للاستثمار في الإمارات نظراً لموقعها الاستراتيجي وجاهزيتها من ناحية تأمين الاتصال الرقمي والبنية التحتية الآمنة.
على مرّ السنوات القليلة الماضية، أثبتت الإمارات ودبي تحديداً مكانتها الاقليمية الرقمية وتميّزها من ناحية التحول الرقمي. كما يعبّر المستثمرون من كافة أنحاء العالم عن رغبتهم في الاستثمار في دبي لما لها من مقومات مستقبلية وباعتبارها البوابة الأكبر للأسواق والمشاريع الناشئة. هذا وتهدف القيادة إلى تحقيق رؤية دبي التي تركّز على تطوير القطاع الاقتصادي للتنافس مع الأسواق العالمية إلى جانب تطوير المهارات والكفاءات لتنمية هذه الرؤية.
وضمن برنامجها لبناء القدرات الرقمية، افتتحت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في قطر بالتعاون مع شركة مايكروسوفت مركز التميّز الرقمي الأول من نوعه في الدولة. يهدف المركز إلى تدريب فئات المجتمع القطري ومشاركتهم الخدمات السحابية وتعزيز مكانة الدولة وقدرتها التنافسية بحلول العام 2025. كذلك يتم العمل على اطلاق منطقة مراكز البيانات السحابية في قطر التي ستقدم الخدمات السحابية وتسمح بتخزين البيانات مع الحفاظ على الأمن الرقمي وخضوع الشركات والمؤسسات في قطر للمعايير الرقابية العالمية.
شركات التكنولوجيا العالمية تروّج لمراكز البيانات
تروّج شركات الاتصالات وعمالقة التكنولوجيا لأهمية مراكز البيانات في عصرنا. في هذا السياق، يعتبر تشارلز يانغ، نائب الرئيس الأول لشركة هواوي والرئيس التنفيذي لفريق مرافق مركز بيانات هواوي أن مع دخولنا العصر الذكي سيتبنى فريق مرافق مركز بيانات هواوي التغييرات على مستوى الخدمة والطاقة والتشغيل لدفع التنمية المستدامة لصناعة مراكز البيانات. هذا وتركز هواوي على دور مراكز البيانات في تحقيق صفر انبعاثات كربونية مع توفر الحلول المبتكرة واستخدام الطاقة الخضراء.
وفي العام 2021، وقعت وزارة الاتصالات والمواصلات والاتصالات في قطر وOoredoo اتفاقية مشتركة لتوسيع مركز البيانات الحكومي. يتيح هذا المركز استقبال البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات من منشآت مركز Ooredoo للبيانات 5، كما ستستفيد الجهات الحكومية من خدمات الشبكات التي تتمتع بمعايير عالية لتأمين المعلومات مع فريق من الخبراء المتخصصين.
بدورها سعت شركة اتصالات إلى توقيع اتفاقية تجمع 12 مركز بيانات تحت مظلة شركة "خزنة داتا سنتر" للارتقاء بالخدمات وزيادة قيمة أصول البنية التحتية الخاصة بهما. تعليقاً على ذلك، قال المهندس حاتم دويدار، الرئيس التنفيذي لـ "مجموعة اتصالات" إن هذه الخطوة ستتيح المزيد من الفرص في الإمارات وستحسّن تجربة العملاء في وقت تواصل فيه اتصالات عملها على تمكين المجتمعات من خلال تحقيق التحول الرقمي.
قد تستغل بعض الجهات مراكز البيانات بشكل خاطئ مع جمع بيانات أحد المستخدمين عن مواقع التواصل الاجتماعي ليتم بيعها إلى جهة خارجية. لذلك من الأفضل تحديد البيانات الخاصة التي تريد مشاركتها مع التطبيقات الذكية ومختلف المواقع الالكترونية على أساس الرقابة الذاتية التي قد تُجنّبك التعرّض للقرصنة، فمخاطر السيطرة تتعدد لكن الحماية ممكنة.