حافظ قطاع الصحّة على وتيرة تصاعدية على الرغم من التهديدات التي واجهتها سائر القطاعات، كما شهد على الكثير من التغييرات مع دمج التكنولوجيا بالآلات المستخدمة. وأحد من أبرز التغييرات كان اعتماد الواقع المعزز والذكاء الاصطناعي لتشخيص الحالات المرضية والمعالجة عن بُعد. إلا أن هذه القائمة لم تقتصر على ذلك فقط بل نشأ مؤخراً مصطلح "إنترنت الأجسام".
يزداد اعتمادنا على الأجهزة الالكترونية القابلة للارتداء كالساعات والسماعات الذكية وغيرها العديد لمتابعة الحالة الصحية والتغيّرات الجسدية عبرها. مع وجود تكنولوجيا إنترنت الأجسام أو Internet of Bodies التي ظهرت في العام 2016، اعتبرت جزءاً أساسياً من إنترنت الأشياء يرصد من خلالها المستخدم حركة جسده فيراقب دقات القلب والمجهود الذي يبذله، كما يحصل على المعلومات الصحية بتفاصيلها. يعتبر الخبراء أن هذه التكنولوجيا تُساهم بتجنّب الوعكة الصحية مع التركيز على البيانات الخاصة بحالة الجسد حيث يعتمد عليها الأطباء للتأكد من سلامة المريض طيلة فترة العلاج. تُحسّن تكنولوجيا إنترنت الأجسام التفاعل بين الأجهزة الذكية وجسد الإنسان إلا أن ذلك يرتكز على مدى قدرة الأجهزة القابلة للارتداء على تبني التدفق الهائل للبيانات على مدار الوقت ويعود ذلك إلى الاتصال الجيد بالانترنت، المساحة الكبيرة لتخزين البيانات والاتصال بالتطبيقات الذكية الخاصة بتتبع المعلومات الصحيّة. مقابل ذلك، يتخوّف البعض من المخاطر الأمنية التي قد تتسبب بها أجهزة إنترنت الأجسام مع تعرّض معلومات المريض إلى خطر الاختراق، فما سيكون ثمن وصول حياة البشر إلى هذا المستوى؟
تكنولوجيا ذكية تُغيّر النموذج الطبي
يمكن لتكنولوجيا إنترنت الأجسام أن تُحسّن حياة الإنسان بشكل كبير خصوصاً على الصعيد الصحي والمتابعة الطبية. ففي ظلّ التغيرات المتسارعة تحمل التقنيات الذكية آفاقاً جديدة تعتمد على الاتصال اللاسلكي، فمن المتوقع أن يصل سوق إنترنت الأشياء العالمي في مجال الرعاية الصحية إلى 446.52 مليار دولار بحلول العام 2028. يربط إنترنت الأجسام الأجهزة الذكية بجسد الإنسان من خلال نقل المعلومات والبيانات للتحقق من الحالة الصحية الحالية والمستقبلية.
تنقسم الأجهزة الذكية المتعلّق بإنترنت الأجسام بين الأجهزة الخارجية كالساعات الذكية التي تعمل على مراقبة حركة ونشاط الجسم. والجيل الثاني هو للأجهزة الذكية الداخلية التي يتم حقنها داخل جسم الانسان كمنظّمات طرقات القلب والأعضاء الاصطناعية التي تعمل بتقنية ثلاثية الأبعاد. هذا إلى جانب تطبيقات إنترنت الأجسام التي تراقب الجسد طيلة أيام الأسبوع على مدار الوقت للحصول على معايير القياس بدقة. يتم زرع أجهزة إنترنت الأجسام في الصدر مثلاً وتتصل بالقلب، يتلقى جهاز الإرسال الموجود في منزل المستخدم البيانات المتعلقة بوظيفة القلب وينقل المعلومات إلى الطبيب. إضافة إلى ذلك، يجعل الجهاز نبض القلب متوازناً ويُعالج المشاكل الصحية الأخرى. توصل فريق من الباحثين إلى تطوير تقنية لقياس استجابة الجهاز المناعي لدى الانسان تجاه اللقاحات والفيروسات. وفي التفاصل قام الباحثون بزرع رقاقة تحتوي على كل العناصر الأساسية لجهاز المناعة للتنبؤ بالاستجابات المناعية تجاه مختلف الفيروسات. تعتبر هذه الجرعة من التجارب السريعة بعيدة عن التجارب التقليدية المعتمدة سابقاً.
في ظلّ انتشار الوباء، تساعد أجهزة إنترنت الأجسام على متابعة علاج المريض عن بُعد، ففي الصين يستخدم الأطباء أجهزة قياس الحرارة الرقمية لمراقبة المريض في الوقت الفعلي. تتحكّم أجهزة إنترنت الأجسام بإشارات الدماغ مما يسهّل الحركة لدى أصحاب الهمم.
بعيداً على القطاع الصحي، لا تزال تكنولوجيا إنترنت الأجسام تستخدم في مجالات أخرى منها القطاعات الرياضية أو في المهام العسكرية لتتبع حالة المستخدم ومراقبته في مختلف الظروف.
إنترنت الأجسام ومسألة الأمن السيبراني
لن تكون أجهزة إنترنت الأجسام بعيدة عن التهديدات الأمنية والثغرات السيبرانية فهي كغيرها من التقنيات التي تُخزّن البيانات وتستقبل الكثير من المعلومات في اليوم الواحد. في بعض الحالات ممكن للقراصنة اختراق الأجهزة الذكية القابلة للارتداء والتلاعب بالمعلومات المشاركة أو تعديل الجهاز بنفسه مما يؤثر سلباً على المريض وقد يؤدي إلى تفاقم الحالة المرضية. تزداد نسبة المخاطر في حال لم تكن أجهزة إنترنت الأجسام مؤهلة للتعامل مع أنواع الهجمات أو إن لم تكن فعّالة أو إذا كانت تعتمد على أساليب قديمة لتشفير المعلومات والبيانات.
يشارك المستخدمون بياناتهم على الأجهزة الذكية كما يمكنهم إلغاء هذه الميزة في أي وقت. تتخوّف بعض المصادر من عدم وجود وسطاء موثوق بهم لاستلام هذه البيانات مما يسمح للطرف الآخر بالتصرّف أو بيع بياناتك الخاصة إلى جهات خارجية من دون معرفتك. كما تستخدم بعض الأطراف هذه البيانات لتحقيق أهداف خطيرة على الأمن القومي أو للتجسس على بعض الشخصيات ومراقبة تحرّكاتها.
من الناحية الاجتماعية، تُعد أجهزة إنترنت الأجسام حكراً على فئة معينة من المجتمع أي التي تملك المال لشراء هذا النوع من الأجهزة للعلاج. في المقابل ستُحرم الفئة المتوسطة والفقيرة من هذه التقنية وبالتالي لن تستفيد من التطوّر التكنولوجي. على ضوء ذلك، تموّل الشركات العملاقة في مجال التكنولوجيا مشاريع هائلة في هذا المجال لتطوير عمليات نشر إنترنت الأجسام إلى جانب بناء استراتيجية رقمية آمنة للحفاظ على سلامة المستخدم وتجنّب التهديدات السيبرانية على أنواعها.
توجه العالم نحو الأجهزة القابلة للارتداء يولّد تقنيات جديدة
مع تنوع الآلات الذكية والأجهزة الالكترونية القابلة للارتداء، تحوّل جسم الانسان إلى منصة تستوعب كل أنواع التقنيات المستجدة؛ 70% من سكان الولايات المتحدة يستخدمون أجهزة إنترنت الأجسام اليوم فضلاً عن سائر الدول التي بدأت تنمي هذه الفكرة لديها.
هذا الواقع دفع بالمزيد من الابتكارات في هذا المجال وتطوّر الذكاء الاصطناعي للدخول إلى حقبة جديدة في عالم التكنولوجيا. كذلك تطوّرت مجالات البحوث والقطاعات الصحية فضلاً عن المنافع الاجتماعية.
يهدف خبراء التكنولوجيا إلى تطوير الشرائح الالكترونية لزرعها بجسم الانسان خلال السنوات المقبلة والتي ستكون مناسبة لمن يعانون من أمراض الشلل والخرف. أما الأجهزة القابلة للارتداء فهي أبعد من مجرّد تجربة تقنية مسليّة بل هي توفّر الاندماج الكامل بين التكنولوجيا والعقل البشري.
تزيد الاستثمارات في إنترنت الأشياء وإنترنت الأجسام مع ارتباط العديد من سكان العالم بالأجهزة الذكية القابلة للارتداء بعدما سجّلت في العام 2021، 18 مليار دولار. كذلك شهد القطاع الصناعي تطوراً ملحوظاً مع القدرة على تتبع العمل عن بُعد. تُعتمد تطبيقات إنترنت الاجسام في المصانع وأماكن العمل التي تتمّع بشروط خطرة بهدف تقليل الإصابة الصحية والمشاكل التقنية. ما عجز الانسان عن حلّه تمكّنت الأجهزة الرقمية من القيام بدورها لتكون العنصر الأساسي اليوم لاستمرار الأعمال على كافة المستويات والانطلاق إلى آفاق جديدة تعتمد على التحول الرقمي بصورة خاصة.