مع ازدهار التعلّيم الافتراضي والتقنيات الرقمية، إتخذ النهج التعليمي مساراً جديداً خلال السنوات الثلاث الأخيرة – حيث بات على الأساتذة والطلاب التأقلم مع الواقع الجديد. دخل التعليم أونلاين إلى كافة أنحاء العالم لتتيح التكنولوجيا التواصل المباشر عبر المنصات الافتراضية إن كان من المنازل أو الجامعات أو حتى من المعاهد.
يتجاوز اليوم عدد الطلاب المتصلين بالانترنت مستويات أعلى من التي سُجلّت قبل الجائحة بحسب تقارير المنصات التعليمية العالمية. دعماً للتعلم الرقمي، طوّرت شركات التكنولوجيا مجموعة من المنصات الالكترونية توفّر التعلّم عن بُعد في كافة المجالات وبطريقة سهلة. بعد التحولات الناجمة عن الجائحة يتّجه الناس إلى التعلم والعمل عن بُعد لتطوير مهاراتهم التقنية باستمرار. في العام 2021، إرتفع عدد المسجلين في دورات تدريبية على إحدى المنصات الافتراضية ليصل إلى 20 مليون متعلّم جديد أي ما يُعادل النمو الاجمالي في السنوات الثلاث السابقة وتستمرهذه النتائج بوتيرة تصاعدية لغاية اللحظة. شهدت عمليات التسجيل للتعلم الالكتروني عبر الانترنت نمطاً مشابهاً مما يعكس تقبّل المجتمعات للتعلم الافتراضي مع توسّع التقنيات والحلول الذكية وانتشارها في المجتمعات المتقدّمة والمتوسّطة وكذلك في المدن النائية. واجهت الدول تحديات الوباء مع التعمّق أكثر بفوائد التعلم عن بُعد وتعدد القنوات الرقمية التي تقدّم الدروس المسجّلة. من أهم الخطوات المتخذة كان تطوير البنية التحتية الرقمية للاستجابة إلى ارتفاع حركة البيانات والارتقاء بتجربة التعليم الافتراضي. بينما واجه العديد من القطاعات صعوبات في الاستمرار تحت التأثيرات المفاجئة، شهد سوق التعلم الالكتروني نمواً ملحوظاً حيث من المرجّح أن تصل قيمته إلى 388.23 مليار دولار بحلول العام 2026 مما يعكس اهتمام الاقتصاد العالمي بالتعليم عبر الانترنت.
إرتفاع معدل المتعلمين على المنصات الإلكترونية
إقليمياً، شهدت منطقة آسيا والمحيط الهادئ الإقبال الأكبر على منصات التعلم الالكتروني حيث تسجّل 28 مليون متعلم جديد عبر الإنترنت في 68 مليون دورة، تليها أميركا الشمالية ثم أوروبا فأميركا اللاتينية.
فيما تسجّل في المنطقة الأفريقية نحو 3 ملايين طالب فقط – بزيادة 43% - على منصات التعلم الالكتروني لينضموا إلى 5 ملايين دورة تعليمية – بزيادة بنسبة 50%.
أما باراغواي فسجّلت المعدّل الأعلى من المتعلمين الجدد من الاقتصادات الناشئة، بنسبة نمو بلغت 98% أي ما يعادل 110.000 متعلم. بالانتقال إلى منطقة الشرق الأوسط، شهد لبنان زيادة بنسبة 97% من المتعلمين أونلاين، بإجمالي 158 ألف طالب.
يأتي التعلم عن بُعد نتيجة الثورة الصناعية الرابعة التي تركت حلولاً متعددة تتيح المزيد من الابتكارات والانجازات المستقبلية. وفي إطار الاستفادة القصوى من التعليم الافتراضي، طوّر المعلمون أسلوبهم بطريقة طرح الدروس وتقديمها بطريقة مختلفة تحاكي عصر السرعة. في هذا السياق يشير بعض الأساتذة إلى الجهود المطلوبة منهم لزيادة خبراتهم بالتقنيات التكنولوجية والحفاظ على التواصل الاجتماعي الافتراضي بين الطلاب. خلال الفترة الراهنة، أثبت التعلم عن بُعد أنه الحل الأنسب والوحيد لاستمرارية السنوات الدراسية من دون التقيّد بزمان أو مكان.
تُسخّر الدول قدراتها الفنية والتقنية لدعم الذكاء الاصطناعي واعتماد الانترنت بهدف تحقيق التنمية المستدامة وسدّ الفجوة بين المجتمعات والمناطق المتقدّمة وتلك النائية.
رفع مستوى التعليم عن بُعد عبر التخطيط والاستراتيجية المتينة
يرتبط مستوى التعليم الالكتروني بمدى توفّر التطبيقات والمنصات الرقمية الملائمة لتسجيل الحصص عليها وكذلك وجود معايير واضحة واستراتيجية دقيقة لتلبية احتياجات الطلاب والمعلمين لتوضيح الدروس افتراضياً: توفّر رسم بيانات، تفعيل النشاطات التفاعلية عبر الانترنت. إلى جانب ذلك، تظهر التطبيقات والبرمجيات التي تدعم التواصل والتعاون بين الطلاب وتعزز مهارات الأساتذة في التدريس الرقمي.
أما لضمان حسن الممارسات التعليمية على غرار الصفوف التقليدية، من المهم تحضير الامتحانات والاختبارات الالكترونية التي ترفع مستوى التعليم الالكتروني من جهة وتنمي الحسّ بالمسؤولية تجاه النشاط على الانترنت. يبحث الطلاب على وفرة في المصادر والمنصات الالكترونية لإجراء الأبحاث والتحقق من المعلومات الصحيحة وذلك يكون عبر المكتبات الرقمية والروابط والمواقع الالكترونية على الانترنت.
تتجه بعض المدارس اليوم إلى بناء علاقة مباشرة بين أولياء الأمر، الطلاب والأساتذة من خلال حلقات نقاش تدور عبر المنصات الرسمية المعتمدة من كل جهة لمناقشة أداء التلميذ ومتابعة سلوكه وتطوّره المهني والأكاديمي.
في هذا الإطار تمثّل المملكة العربية السعودية أحد النماذج الفاعلة في عالم التعليم الالكتروني حيث اهتمت المملكة بتطوير خطط التعليم الافتراضي استجابةً لرؤية 2030 ومواكبة الخدمات التي تقدّمها التقنيات الجديدة منها الذكاء الاصطناعي. لهذه الغاية، تعاونت الهيئات المعنية ووزارة التعليم لتحديث منصات التعليم الافتراضي وتوفير خدماتها مجاناً للطلاب. تميّزت المملكة بتعدد منصاتها للتعليم عن بُعد وفقاً لتقرير صادرعن الاتحاد العالمي للتعليم الالكتروني والجمعية الدولية لتقنيات التعليم ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. هذا وقد اهتمت المملكة بالتطبيقات التي توفّر المحتوى التعليمي للجامعات مع أكثر من مليون و421 ألف محتوى تعليمي رقمي تشمل كل البيانات الضرورية إن كان مرئية أو مسموعة.
بدورها وسّعت الجمهورية المصرية استثماراتها في التعلم الالكتروني لتشمل المرحلتين الابتدائية والإعدادية وذلك في إطار سعيها لتحقيق مسار التحول الرقمي وتطوير المستوى التعليمي في الدولة. تتوفّر الدروس عبر التقنيات والأجهزة الذكية حيث يكفي الاتصال بالانترنت في وقت ينشط فيه التسجيل على المنصات التعليمية في مصر.
إعادة تركيز المهارات لمواكبة العصر الافتراضي
من المتوقع أن يستمر معدل التغير التكنولوجي حول العالم أو أن تتسارع وتيرته في بعض المناطق، وفقاً لتقرير مستقبل الوظائف لعام 2020. على الخط نفسه، يبدو أن الحوسبة السحابية والبيانات الضخمة والتجارة الإلكترونية ستظل نقاطاً محورية للشركات الكبيرة، إلى جانب التطورات في مجال التشفير الرقمي والروبوتات وتقنية الذكاء الاصطناعي. مقابل الوظائف المفقودة نتيجية الثورة الصناعية الرابعة سيتواجد العديد من الوظائف الجديدة مما يتطلب توفّر المهارات والأداء الجيّد الأقرب إلى التقنية.
في بيئة تتوسع فيها الدروس الافتراضية، تعمل المعاهد الخاصة والعامة على إعادة تشكيل المهارات للتوافق مع فرص العمل المتاحة والتي سيكون لها المكان الأوسع بحلول العام 2030. بحسب الدراسات زادت فرص التعلم والعمل عن بُعد خمسة أضعاف وبزيادة أربعة أضعاف لمن يبحثون عن فرصة للتعلم عبر الانترنت.
يستمر التعليم الالكتروني بمساره التقني لغاية العام 2022 ومن أبرز الاتجاهات المطروحة الاستخدام المكثّف للذكاء الاصطناعي والاستفادة من قدراته في تحليل وجمع البيانات وفهم مسار التعلم والعمل عن بًعد بشكل واسع. كما تستفيد الشركات، المعاهد والجامعات من تقنية الذكاء الاصطناعي لتطوير الروبوتات وتسهيل عملية البحث عن محتوى. إضافة إلى ذلك، يعتبر الواقع المعزز والواقع الافترضي والواقع الموسع XR من العناصر الأساسية في التعليم المستقبلي حيث من المرجح أن تعتمد 23 مليون وظيفة على هذه التقنيات بحلول العام 2030 عوضاً عن انعكاسات ذلك على الاقتصاد العالمي.
في العام 2022، سنشهد على استراتيجية التعلم الالكتروني القائم على الألعاب لتوسيع خيال الطالب وتحفيزه لاستكشاف المزيد بطريقة ذكية.
بين التحديات والفرص التي يتيحها اتصال الانترنت، يشهد قطاع التعليم الالكتروني دفعة كبيرة إلى الأمام ولا عودة إلى الوراء. بالنسبة للعديد من الدول كان التعليم عن بُعد أحد الاتجاهات الأساسية للمرحلة المستقبلية ولمواجهة الأزمات الصعبة. على ضوء ذلك، تعزز وزارات التعليم تعاوناتها مع وزارات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لدعم الشبكات اللاسلكية ووضع الاستراتيجيات المطلوبة لتقديم تجربة أفضل على كافة المستويات.