تلتزم شركات الاتصالات وعمالقة التكنولوجية باستراتيجية عملية تحافظ من خلالها على البيئة الخضراء وتحد من الانبعاثات السامة. وفي ظلّ التحديات العالمية التي نشهدها اليوم، يطرح الخبراء أهم المميزات والحلول الذكية المعتمدة على الطاقة النظيفة غير الملوّثة للهواء للحدّ من التغيرات المناخية مع احترام شروط البيئة اللاسلكية.
في محاولة منها لتفادي تفاقم أزمة البيئة والتهديدات المناخية على مدار السنوات المقبلة، تكشف الشركات الصناعية والملمّة في مجال الاتصالات والتكنولوجيا عن خططها المستقبلية والاجراءات المتخذة لمواجهة مشكلة انبعاثات الكربون. أفادت الدراسات الأخيرة أن الدول النامية والمتقدّمة ومنها الصين والدول الأوروبية هي التي تُصدر النسبة الأكبر من الانبعاثات الكربونية مع ارتفاع عدد المصانع والمتاجر فيها. تعزز شركات الاتصالات والتكنولوجيا الابتكارات وتدعم الحلول الرقمية الذكية الكفيلة في الحدّ من المشكلة المناخية من جهة وزيادة فعالية أنظمة الطاقة الخضراء النظيفة من جهة ثانية. مع انتشار الشبكات اللاسلكية واستهلاك الجيل الخامس بنسبة أكبر مقارنةً بالأعوام السابقة، تحسّن الشركات نماذج أعمالها لتمكين خفض الطاقة المستخدمة لنقل البيانات؛ بحسب مبادرة تمكين الاستدامة العالمية (GeSI)، تساهم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في خفض الانبعاثات الكربونية العالمية بنسبة 20% بحلول العام 2030. تماشياً مع الشعارات المحافظة على البيئة، كما يركّز مزودو ومشغلّو الاتصالات على تعزيز الاتصال، دعم المستقبل الرقمي إلى جانب التقنيات الذكية الصديقة للبيئة. ويدفع التحول الرقمي إلى اعتماد التكنولوجيا باستمرار حيث برزت الاستثمارات الاقتصادية والمجتمعية في الطاقة الخضراء لتحقيق التوازن بين الانبعاثات الكربونية والحدّ من مصادر التلوّث.
قطاع الاتصالات يعكس دور الرقمنة للحدّ من انبعاثات الكربون
تُطوّر الدول النامية مشاريعها الخضراء لخفض الانبعاثات الكربونية بشكل تدريجي حتى الوصول إلى درجة صفر بحلول العام 2050. وتستعين المصانع والشركات بالحلول الرقمية والتكنولوجية للقضاء على الانبعاثات الضارة والحدّ من المشاكل المناخية مع تشغيل الأجهزة الذكية المتجددة.
تضع الحكومات والمصانع استراتيجية واضحة لاستخدام الطاقة المتجددة والخضراء مع الأخذ بالاعتبار التغيرات الضرورية لمواكبة طريقة العمل الجديدة. تلتزم مجموعة من شركات الاتصالات باتخاذ اجراءات أساسية للحدّ من انبعاثات الكربون ومنها شركة "زين" التي تصدّرت الشركات والمؤسسات في أسواق الشرق الأوسط في التصنيف العالمي للتصدي إلى التغيّر المناخي لتنضم بذلك إلى قادة الشركات العالمية الرائدة في هذا المجال. كما تدمج المجموعة التكنولوجيا والتقنيات الرقمية والكهربائية معاً لتأمين الطاقة الآمنة وخفض نسبة الكربون. في هذا الإطار، أعلنت المجموعة سعيها للارتقاء بهذا النوع من المشاريع ومحاولة التحّكم بكمية الكربون الصادرة عن الأنشطة التي تقوم بها. وكونها من المزودين الرائدين في عالم الاتصالات، عززت زين مبادراتها وتعاوناتها مع منظمات وجمعيات لدعم الحلول الطبيعية الصديقة للبيئة والتي تحدّ من الاحتباس الحراري الذي يعاني منه العالم. للعام الثالث على التوالي تمكّنت المجموعة من تلبية متطلبات "مشروع الافصاح عن انبعاثات الكربون". ودعت الشركة للتوسّع أكثر في هذه المشاريع وتشجيع سائر الشركات والمصانع على اتخاذ خطوة مماثلة للمساهمة بعملية خفض الانبعاثات الكربونية بحلول العام 2030.
على الخط نفسه، يتوقع عملاق التكنولوجيا الصيني هواوي أن مع نهاية العقد الحالي 60% من السيارات ستدعم ميزات C-V2X. هذا ولفتت الشركة إلى ازدياد الطلب على التطبيقات الذكية لتوفير التواصل الرقمي بين الأفراد بينما ستستخدم الشركات أكثر من مليون شبكة من الجيل الخامس لتسهيل الأعمال.
بحسب الدراسات الأخيرة، يمكن أن تساهم شركات الاتصالات والتقنيات التكنولوجية بتقليل الانبعاثات الكربونية بنسبة كبيرة مما دفع الحكومات والقطاع الخاص إلى اعتماد استراتيجية جديدة لتحقيق التنمية المستدامة على كافة المستويات والاستجابة إلى متطلبات العملاء ومواجهة التحديات خلال السنوات المقبلة. ولفتت شركة هواوي خلال مشاركتها في مؤتمر الجوال العالمي mwc22 إلى ضرورة التعاون بين المنظمات والمعاهد الحكومية لبناء عالم أفضل وبيئة رقمية سليمة.
الحلول التكنولوجية تواجه التحديات المناخية
تحافظ التقنيات الذكية على البيئة كونها تخفّض هدر الموارد الطبيعية وتعتمد على الطاقة النظيفة والموارد الخضراء كما أنها توفّر رفاهية أكبر وتحسّن جودة حياة الفرد على مختلف الأصعدة. تتنوّع الحلول التكنولوجية بين تلك التي تعمل على تقنية الذكاء الاصطناعي أو إنترنت الأشياء والواقع الافتراضي والمعزز وهي تُستخدم للتحذير من الكوارث الطبيعية وتحسين إدارة عمل الحكومات للتصدي للمشاكل المناخية وغيرها من التحديات إلى جانب تعزيز مكانة المدن الذكية للحفاظ على البيئة.
تجمع الحلول التكنولوجية البيانات الضخمة لا سيّما في طرقات المدن الذكية المتصلة بالانترنت مما يمكّن فريق العمل من تحديد المشكلة القائمة وحلّها. إضافة إلى ذلك، تقيس إشارات المرور الذكية كثافة الازدحام في الشوارع لإعطاء الأولوية لتلك التي تعاني من ازدحام في السيارات. وفي ظلّ التخطيط لبناء البنية التحتية الرقمية وأسس المدن الذكية، تظهر السيارات ذاتية القيادة أو الكهربائية لتُخفّض انبعاثات الكربون بنسبة كبيرة والذي يؤدي إلى تحسين المناخ وخفض نسبة الحوادث.
من ناحية أخرى، تُدمج التقنيات التكنولوجية في المباني والمنازل الذكية لتوفّر استهلاك المياه والطاقة نظراً لمتابعة الاستشعارات وحركة المقيمين في المنزل. الأمر نفسه ينطبق على الاستشعارات الموجودة في المدن الذكية والتي تُنظّم إنارة الطرقات وترصد الأماكن التي تصدر منها انبعاثات ضارة للعمل على خفضها.
لا يقتصر دور التكنولوجيا على ذلك فحسب بل تُستخدم لتحسين شروط الطقس خصوصاً في الدول التي تعاني من ارتفاع حاد بدرجة الحرارة أو العكس: ففي الإمارات مثلاُ تم إطلاق الطائرات بدون طيّار لتلقيح السحب بشحنة كهربائية لزيادة احتمالية هطول الأمطار وتحويل طقس دبي من مناخ صحراوي إلى مناخ معتدل نسبياً. هذا وتُشجّع السعودية اعتماد الهيدروجين الأخضر لتشغيل الأجهزة من خلال اعتماد الطاقة المتجددة.
ويتحدّث الخبراء عن أهمية التكنولوجيا والتقنية لبناء مستقبل أفضل إلى جانب الجهود التي تقوم بها الحكومات لدمج الحلول الذكية في الصناعة والزراعة والتجارة والخدمات لزيادة الناتج المحلي ودعم نمو القطاعات.
كذلك تسعى شركات التكنولوجيا إلى استخدام المواد المُعاد تدويرها والصديقة للبيئة بعيداً عن البلاستيك بحلول العام 2025 على أن تصبح الشركات خالية 100% من الكربون.
خدمات الجيل الخامس تُخفّض الانبعاثات الكربونية بنسبة 20%
تخفّض شبكات الجيل الخامس انبعاثات الكربون وتتيح التحكّم بالطاقة الكهربائية إلى جانب توفير السرعات الفائقة في نقل البيانات وتقديم الخدمات. بحسب المتخصصين، يوفّر الجيل الخامس اتصالاً أفضل واستخداماً أقل للطاقة مما يخفّض الانبعاثات الكربونية. على ضوء ذلك، تنشر الشركات والأفراد الاجهزة الالكتروينة المتصلة بالجيل الخامس وتُفعّل دورها الاستهلاكي خصوصاً مع بداية استخدام السيارات المتصلة بهذه الشبكة. ووفقاً للتقارير الصادرة عن مؤسسات تكنولوجية، قد تنخفض انبعاثات الكربون بنسبة 20% مع استخدام الجيل الخامس والاتصال بالانترنت.
في وقت تزداد فيه المخاطر المناخية والبيئية، يتجه عمالقة التكنولوجيا إلى الحلول الذكية حيث تخطط شركة مايكروسوفت لاستخدام الطاقة النظيفة في مراكز البيانات التابعة لها بنسبة 70% بحلول العام 2023 لتصبح شركة خالية من انبعاثات الكربون بحلول العام 2030. بدورها تعتبر الدول النامية أن الاستثمارات في الطاقة المتجددة سترتفع خلال السنوات المقبلة وذلك سيتم مع دعم الشراكات والتعاونات لاستخدام التقنيات الذكية بالطريقة الصحيحة والاستفادة منها خصوصاً وأن عدد الوظائف في هذه المجالات سيزداد بحلول العام 2030 بالاضافة إلى المشاريع الناشئة التي قد تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات.