إستعانت شركات خدمات الاتصالات بالتقنيات الحديثة لتطوير مشاريعها وتحسين خدماتها في وقت زاد فيه الطلب على الاتصال عبر النطاق العريض. أما الظروف التي تسبب بها الوباء خلال العامين الأخيرين، فأكّدت أهمية الاتصال الرقمي حيث ارتفعت ايرادات شبكة الجيل الخامس بنسبة 39% من إجمالي ايرادات البنية التحتية للاتصال اللاسلكي.
شهد العديد من القطاعات نمواً بارزاً على أثر التغييرات التي تركها كوفيد-19، إلا أن الاتصالات والتكنولوجيا كانت في طليعة القطاعات النامية. تُعد شبكات الجيل الخامس الداعم الأساس للانتقال سريعاً من العصر التقليدي إلى العصر الرقمي في حين أن الاستثمارات في الشبكات التقليدية تراجعت في مختلف الدول، كما أن الانفاق عليها تراجع أيضاً لينصب تركيز الشركات على دعم الجيل الخامس وتزويد خدمات الاتصالات بهذه الشبكة؛ بحسب غارتنر من المتوقع أن يغطي الجيل الخامس 60% من المدن حول العالم بحلول العام 2024. كما ستلعب هذه الشبكة دورها في ازدهار مستقبل قطاع الطيران والملاحة الجوية بسبب السرعات الفائقة التي تتميّز بها موفرّةً إمكانات تقنية غير مسبوقة ترفع فيها مستوى السفر.
توسّع مشاريع الجيل الخامس وارتفاع طلب الأسواق التجارية عليه
ظهر الجيل الخامس الذي يُعد من أهم الابتكارات التي توصّل إليها خبراء التقنية اليوم والتي تتيح للعديد من الشركات والأفراد الانتقال إلى الخدمات بسرعات فائقة وبجودة أكبر لتصفّح الانترنت وتحميل الفيديوات بظرف ثوان معدودة. أما التحول السريع في سلوك المستهلك وزيادة طلب أسواق التجارة والشركات العالمية على شبكات سريعة تلبي احتياجاتهم، فأدّيا إلى نمو سوق الجيل الخامس بشكل ملحوظ خصوصاً وأن العمل عن بُعد بات من الأساسيات لتأمين الاتصال المتواصل. كما إن توسّع شبكات الجيل الخامس في العالم وفي المنطقة العربية بالأخص دعم الأعمال في كافة المجالات والقطاعات والمؤسسات العامة والخاصة. وعلى هامش المشاريع المطروحة لتحقيق التحول الرقمي، يعزّز الجيل الخامس هذه المسيرة ليتيح فرصاً أكبر أمام المستثمرين المحليين والخارجيين. كذلك، فإن الجيل الخامس كان عنصراً أساساً لعمل التقنيات التكنولوجية الأخرى منها إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي خصوصاً في الأجهزة المحمولة والتطبيقات الذكية.
في الإطار نفسه، يؤكّد الخبراء أن استخدام الجيل الخامس دعم البنية التحتية الرقمية لا سيّما في مسيرة تحوّل المدن الذكية ليكون نقطة الانطلاق نحو مستقبل أكثر ذكاءً وتطوّراً. لذلك، تهتم الشركات بإبراز الكفاءات المطلوبة في هذا المجال لصيانة الأعمال وتلبية احتياجات العملاء كجزء لتحقيق الرقمنة الشاملة على كافة المستويات خلال السنوات الخمس المقبلة.
الاتصال الذكي وإدارة البيانات... الخطوط الجوية تواكب عصر السرعة
تتداول شركات الطيران في الآونة الأخيرة حلولاً مبتكرة لتطوير أعمالها وتأمين اتصالها بالأجهزة الالكترونية الذكية، حيث أن نحو 2.7 مليار منها ستكون متصلة بشبكة الجيل الخامس بحلول العام 2025. مع تقدّم الثورة الصناعية الرابعة، انتشرت شبكة الجيل الخامس حول العالم فارتفعت أسهمها لدى الأسواق العالمية وشركات القطاع العام والخاص. على ضوء ذلك، بدأ العمل على تطبيقات خاصة بالجيل الجديد والتي ارتفعت قيمتها في قطاع الطيران على أن تصل إلى 4.2 مليارات دولار بحلول العام 2026 بعدما كانت قيمتها 0.2 مليار دولار في العام 2019.
لا تقتصر إمكانات الجيل الخامس على ذلك فحسب، بل تعتمده شركات الطيران لتسهيل الملاحة ورفع المستوى عربياً وعالمياً. ما إن أصبح الجيل الخامس متاحاً في المطارات حتى بات من الممكن تطبيق الاتصال الذكي وإدارة البيانات لمليون جهاز بالاضافة إلى تحفيز التفاعل والتواصل بين المسافرين والعاملين في المطار.
كما إن دمج الجيل الخامس بالتقنيات التكنولوجية سمح لشركات الطيران والمطارات والخطوط الجوية الاستفادة من بياناتها لتحقيق أعلى قدر من الارباح المالية على صعيد النقل والتجارة: ساهم جمع إنترنت الأشياء وشبكات الجيل الخامس بتعزيز كفاءة الخدمات ومراقبة الأدوات عند شحنها في الطائرات مع تخفيض تكاليف هذه العمليات وزيادة الإيرادات من ناحية أخرى.
كذلك ساهمت تقنيات الذكاء الاصطناعي المتصلة بالجيل الخامس بحل الكثير من المشاكل التقنية في المطارات والمعابر في الوقت الآني. على ضوء ذلك، أُطلقت التطبيقات الذكية المخصصة للنقل الجوي والتي تقدّم تقارير مفصّلة لطاقم العمل على الطائرة عن الرحلات الجوية والأمتعة قبل اقلاع الطائرة.
تتمتع المطارات بامتيازات استثنائية مع دعمها شبكة الجيل الخامس حيث سيوفّر الطيف الترددي قدرة على التحكم عن بُعد بكل أنواع الخدمات بينما الشبكات اللاسلكية الآمنة توفّر الاتصال بجودة عالية.
سيمنح الجيل الخامس تجربة رقمية تسمح للمسافر بالتفاعل مع الآلات الذكية والأجهزة الالكترونية في الطائرة أو المطار، كما سيتمتّع المسافر بسرعة فائقة لتحميل الأفلام ومشاهدتها خلال السفر.
المطارات الأميركية والجيل الخامس إلى الواجهة...ما علاقة نطاق التردد؟
تطغى أزمة شبكة الاتصال من الجيل الخامس على المطارات الأميركية مما أدى إلى تعليق عدد كبير من الرحلات المتجهة إلى الولايات المتحدة على ضوء التحذيرات التي أُطلقت بشأن هذه الشبكة. وتتخوّف بعض شركات الطيران من تداخل شبكة الجيل الخامس مع موجات التردد المستخدمة في حركة الملاحة الجوية وأجهزة القياس التي تحدد ارتفاع الطائرة عن سطح الأرض وتسهّل عملية الهبوط الآلي في حال ضعف الرؤية.
بدوره أعلن الاتحاد التجاري لقطاع الاتصالات اللاسلكية أن شبكة الجيل الخامس آمنة متهماً قطاع الطيران بتزييف الحقيقة. وقد أدى تعليق الرحلات الجوية إلى تأجيل إطلاق خدمات الجيل الخامس ما سيسفر عنه خسائر قدرها 50 مليار دولار في النمو الاقتصادي، بحسب الاتحاد.
تشير المعلومات إلى الثغرات في نظام الطيران الأميركي التي أدت إلى هذه الفوضى في الرحلات الجوية: كان من المقرر نشر شبكة الجيل الخامس في نطاق 3.7 إلى 3.98 غيغاهرتز على الطيف المعروف باسم النطاق "سي"، في حين تعمل أجهزة قياس الارتفاع في نطاق 4.2 إلى 4.4 غيغاهرتز. بينما النطاق المستخدم في دول الخليج أو المنطقة (أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا) للجيل الخامس يمكن أن يصل إلى 3.8 جيغاهرتز فقط وفي كثير من الحالات يصل إلى 3.6 جيغاهرتز.
هذا وأعلنت شركة "AT&T" أنها تعمل مع صناعة الطيران وإدارة الطيران الفيدرالية الأميركية للحصول على مزيد من المعلومات، وفقًا لبيان صادر عن المتحدثة باسم الشركة، ميغان كيترر.
وعلقت شركة فيريزون، في بيان لها: "بصفتنا المزود الرائد للاتصالات اللاسلكية في البلاد، فقد قررنا طوعاً تقييد شبكة الجيل الخامس الخاصة بنا حول المطارات. لم تتمكن إدارة الطيران الفيدرالية وشركات الطيران في بلادنا من حل مشكلة التنقل عبر شبكات الجيل الخامس حول المطارات، على الرغم من كونها آمنة وتعمل بكامل طاقتها في أكثر من 40 دولة أخرى". وستواصل شركةAT&T، التي تمتلك الشركة الأم لـ CNN، وVerizon إطلاق خدمات الجيل الخامس المتقدمة في أي مكان آخر كما هو مخطط له.
مشكلة الجيل الخامس تنحصر بالولايات المتحدة، إليكم التفاصيل
لفتت هيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية إلى أن المشكلة التي واجهتها الولايات المتحدة بشأن الجيل الخامس والطيران تتعلق حصراً بالمطارات الأميركية المشار إليها، حيث تم تخصيص ترددات جديدة لتقنية الجيل الخامس تختلف عما هو مخصص للاستخدام في منطقة الخليج، ولا وجود لأي تعارض أو تداخل في دولة الإمارات بين شبكات الجيل الخامس وأنظمة الملاحة الجوية.
تعليقاً على ذلك، أشارت الهيئة الى أن محطات الجيل الخامس في الإمارات تم تثبيتها في عدة أماكن منذ سنوات ولم تؤثّر أبداً على سلامة الملاحة الجوية مع العلم أن الهيئة تأخذ كل الاجراءات المطلوبة وتقوم بكل الدراسات لتأمين سلامة الترددات وتضمن أن تراعي القرارات المتخذة من قبل الاتحاد الدولي للاتصالات بهذا الخصوص. كما أكّدت الهيئة أنها تنسّق في هذا الأمر مع الهيئة العامة للطيران المدني والتي تقوم بدورها بالتنسيق والتواصل مع منظمة الطيران المدني الدولي ووكالات تنظيم سلامة الطيران الاوروبية والاميركية لضمان أعلى درجات الأمان والسلامة في هذا السياق.
كذلك المملكة العربية السعودية، تبحث في كيفية استخدام نطاق التردد مع نطاق الحماية 100 ميغاهرتز والتراخيص المحلية لما تبقّى من 100 ميغاهرتز. إلى جانب ذلك، يمكن منح أنظمة الراديو المحمولة الخاصة بالأعمال التجارية تراخيص مع قيود حول المطارات مقابل ترخيص النطاق الوطني أو نطاق واسع 3.7-3.98 جيغاهرتز.
تعمل شبكة الجيل الخامس في أكثر من 45 دولة حول العالم وتتميّز جميعها بترددات أقل من نطاق الحماية، هذا ما يختلف في محيط مطارات الولايات المتحدة. يشير خبراء الاتصالات إلى إمكانية تطبيق بعض الحلول لهذه المشكلة من بينها تغيير التردد المعتمد، ثانياً وضع فلاتر في الشبكات القريبة من المطار تكون عالية الجودة للحدّ من هذه التداخلات. ثالثاً إبعاد الشبكات 2 ميل أو 3 كيلومترات عن الطائرات والعمل على مسافة عازلة لا تقل عن 5 كيلومترات.
وفي العام 2019 وضع الاتحاد الأوروبي مثلاً معايير خاصة لترددات الجيل الخامس متوسطة المدى في نطاق 3.4 و3.8 جيغاهرتز، وهو تردد أقل من المقرر طرحه في الولايات المتحدة (3.7 و3.98 جيغاهرتز) ولم تشكل الشبكة حتى الآن أي مشكلة في دول الاتحاد الـ27. أما في كوريا الجنوبية، فلم يتم الابلاغ حتى الآن عن أي تداعيات حيال الجيل الخامس وتردداته منذ طرح الشبكة ولم يحدث أي تداخل إشارات مع موجات الراديو حيث حُدّد تردد اتصالات الهواتف المحمولة للجيل الخامس بنطاق 3.42 و3.7 جيغاهرتز.
بين أمن الطيران واتصال العملاء... مشغلو الاتصالات يتحرّكون
تأخذ شركات الطيران المزيد من الاجراءات لحماية المسافرين وحركة الطائرة على حد سواء حيث طلبت مجموعة من شركات الخطوط الجوية واتحاد طياري الخطوط الجوية في الولايات المتحدة وإدارات الطيران في البلاد عقد اجتماعات مكثّفة حول هذا الموضوع لتناول العقبات التي قد تنتج عن شبكات الجيل الخامس والأجهزة الالكترونية العاملة على هذه التقنية.
مقابل ذلك، تعمل لجان الاتصالات والمشغلين على استخدام الموجات الهوائية الأنسب لتحاكي الشبكات اللاسلكية السريعة على أن يتم نشر الجيل الخامس بأمان ومراعاة قوانين حركة الملاحة الجوية. تشير الجهات المعنية إلى ضرورة إصدار توجيهات تتوافق مع عملية الهبوط والاقلاع في المطارات خصوصاً عند تشغيل الخدمات والشبكات اللاسلكية لكي لا تتداخل مع موجات الرادارات.
تقنياً، توصي شركات الطيران المسافرين بإغلاق هواتفهم أو أي جهاز إلكتروني يعمل بالجيل الخامس وتشغيله بوضع الطيران – airplane mode. من جهة أخرى تقترح شركات الطيران خططاً أخرى تتمثّل باستخدام أجهزة قياس ارتفاع أي مرشحات خارج النطاق بدلاً من أجهزة القياس بالرادار مع العلم أن ذلك لن يُطبّق بسرعة على كافة أنواع الطائرات علّها تتأقلم مع الواقع الجديد ومع كيفية استخدام التقنيات التكنولوجية المتطوّرة.
نمو إيرادات مزودي خدمات الاتصالات سببه الجيل الخامس
منافسة عالية تعيشها شركات الاتصالات حول العالم مع تعدد الخدمات الرقمية. إلا أن مع انتشار الجيل الخامس وتشغيلها من المتوقع أن ترتفع قيمة ايرادات مزودي خدمات الاتصالات لتصل إلى 3.7 تريليون دولار بحلول العام 2030. ووفقاً لشركة غارتنر، وصلت إيرادات البنية التحتية لشبكات الجيل الخامس عالمياً إلى 39% لتسجّل زيادة ملحوظة عن عامي 2020 و2021. بحسب الدراسات الأخيرة، 94% من مزودي خدمات الاتصالات في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا يتوقعون التحوّل إلى شبكة الجيل الخامس بحلول نهاية العام 2023 معوّلين على خدماتها المستقبلية.