تتنامى مشكلة الأمن السيبراني لتطال دول العالم ومنطقة الشرق الأوسط والخليج بشركاته ومؤسساته وحكوماته. فمع تزايد حركة البيانات من المتوقع أن تزيد عمليات اختراق المواقع الالكترونية والأعمال الرقمية بنسبة 74% في العام 2022، بحسب الدراسات الأخيرة.
إستناداً إلى الاختراقات الالكترونية التي تعرّضت لها الشركات المتوسطة والكبرى سابقاً وتوسّعها وانتشارها أكثر بعد العام 2020: عبر قرصنة الهاتف المحمول والأجهزة الذكية، إرسال رسائل خبيثة، التجسس الرقمي، اختراق الحسابات والبيانات الشخصية وسرقة معلومات المستخدم الخاصة؛ لا تزال تداعياتها تؤثّر بشكل مباشر على الأعمال ومستمرة حتى اللحظة. فعّلت الحكومات خططها المناسبة واعتمدت الحلول الأمنية لصدّ الهجمات الالكترونية وإدارة الاختراقات في حال حدوثها. على ضوء ذلك، تجمع شركات التكنولوجيا والاتصالات توقعاتها للسنوات المقبلة في ما يتعلّق بالتقنيات الجديدة التي قد تُطرح والاجراءات التي يمكن اتخاذها للتصدي للهجمات الالكترونية بصورة مبتكرة قبل أن تنال هذه الأخيرة من رصيد الشركات أو الأفراد.
إرتفاع عدد الهجمات تلحقه مبادرات خليجية لمواجهة القرصنة الالكترونية
إن العمل والتعلم عن بُعد واستمرار هجمات برامج الفدية دفعا الشركات لايجاد حلول إدارية توفّر الحماية الضرورية وتسدّ ثغرات الأمن الرقمي على كافة الأصعدة. ففي وقت تتفاقم فيه المخاطر على الشبكات اللاسلكية، وسّعت دول الخليج استثماراتها في الأمن السيبراني واتخذت الحكومات عربياً واقليمياً مبادرات فردية لتعزيز الأمن الالكتروني من جهة ومهاجمة التهديدات من جهة أخرى وتوفير الحماية لأعمال الحكومات والشركات في القطاعين العام والخاص. على الصعيد الخليجي، تعاني الدول ومنها المملكة العربية السعودية، الامارات، قطر، الكويت والبحرين من عدم توازن بين المهارات والكفاءات الموجودة والتقدّم في مجال التكنولوجيا مما أخّر الاستجابة إلى مشاكل الأمن السيبراني المستجدة.
وبحسب الشركات الرائدة في مجال الحماية السيبرانية، من المتوقع أن تكون المنظمات والأفراد والمؤسسات في منطقة الخليج على دراية أكبر لتجنّب مخاطر العالم الرقمي وكيفية الاستفادة من الحلول الهجينة ببيئة إلكترونية آمنة في العام 2022. فعلى الأفراد وموظفي الشركات لا سيّما العاملين افتراضياً عن بُعد سدّ هذه الفجوة واستخدام التقنيات الذكية منها الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية والبلوك تشين لتحقيق الأمن السيبراني والتركيز على القدرات المستقبلية. ولأن الانفاق على الأمن السيبراني بات أولوية الحكومات، سرّعت الدول الخليجية مسيرتها نحو التحول الرقمي إذ يؤكد الخبراء أن اعتماد معايير الأمن السيبراني يحسّن التعامل مع المواقع الالكترونية ويشجّع العملاء على التكيّف مع البيانات ومشاريع التحول الرقمي بشكل آمن.
توازياً مع ذلك، أعلنت دولة الامارات استراتيجيتها للتعامل مع الهجمات الالكترونية والتهديدات السيبرانية خلال السنوات الخمس المقبلة من خلال رفع الكفاءات في هذا المجال وضمان حماية الأعمال. بدورها عملت الكويت على إنشاء مركز الأمن الوطني السيبراني للتصدي للهجمات المرتقبة، كذلك السعودية التي أنشات هيئة وطنية للأمن السيبراني في العام 2017 للغاية نفسها.
الشركات الناشئة تعزز قدراتها التقنية و15 مليار دولار الانفاق على حماية البيانات
تلتزم الشركات بمعايير عالمية لتطوير قدراتها التقنية وحماية بياناتها في الوقت نفسه، فمن المرجح أن يصل الانفاق على حماية البيانات والتقنيات الرقمية إلى 15 مليار دولار سنوياً على مستوى العالم بحلول العام 2024 وفقاً لشركة غارتنر.
تواجه أكثر من 80% من الشركات في كافة القطاعات تحديات كبيرة على هذا الصعيد إلا أن معظم المؤسسات في القطاعين العام والخاص بدأت تطبّق القوانين الخاصة بحماية المعلومات الشخصية من خلال الذكاء الاصطناعي، الحوسبة السحابية، البلوك تشين وغيرها من التقنيات الذكية. مقابل ذلك، يأتي دور البنية التحتية الرقمية التي يجب أن تتوفّر لحماية الشبكات، ومن المتوقع أن يزيد الانفاق على سبل حماية البنية التحتية إلى 24 مليار دولار.
ارتفعت هجمات طلب الفدية إلى أكثر من 500% مما هدد أغلبية المؤسسات وأثّر بشكل مباشر على أمنها السيبراني وعلّق استمرارية أعمالها. ويؤّكد الخبراء أن السبب وراء ذلك يعود إلى عدم تكافؤ المهارات مع التطورات التي يشهدها العالم الرقمي وشبكة الانترنت. مع بداية العام 2022، سينفّذ المخترقون عملياتهم لتطال مختلف دول العالم والشرق الأوسط من دون استثناء. على ضوء ذلك، تعتمد الشركات رؤية مناسبة لاكتشاف الهجمات الالكترونية وتوقيفها قبل حدوثها واختيار الحلول الذكية لاكتشاف الثغرات ونقاط الضعف في برامج الحماية.
بدورها لجأت الهيئات الخاصة بمجال الانترنت والتكنولوجيا إلى ترسيخ مبدأ احترام الخصوصية الرقمية وحماية البيانات كما يعتبر الخبراء أن هذه الخطوات تسرّع عملية التحول الرقمي للوصول إلى مجتمع متطوّر. على الخط نفسه، تعزّز السعودية مكانتها في مجال حماية البيانات الشخصية كركيزة أساسية من رؤية المملكة 2030. دعماً لهذا التحوّل، تطوّر المملكة البنية التحتية الرقمية لديها مما يضمن إنتقالها إلى الاقتصاد الرقمي وجذب الاستثمارات الداخلية والخارجية.
وتبذل الحكومة القطرية كل طاقاتها لتأخذ مركزاً رقمياً مهماً تُنافس به دول العالم خصوصاً وأن استراتيجية التحول الرقمي التي اعتمدتها كانت بين أفضل الاستراتيجيات التقنية في العام 2021. وبينما تُنظّم قطر في العام 2022 سلسلة من النشاطات أبرزها مونديال كرة القدم، عززت الحكومة القطرية دور الاتصالات والتكنولوجيا والتقنية في البلاد فمن المرجح أن يصل إنفاق الدولة على تقنية المعلومات والاتصالات إلى 9 مليارات دولار بحلول العام 2024. في هذا السياق، يشير رواد الأعمال إلى التحديات التي تواجه الشركات القطرية مع الأمن السيبراني فتم وضع "الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني" لمواجهة هذه المخاطر والحد من التهديدات الالكترونية.
أما بالنسبة للإمارات، فأحرزت الحكومة الاماراتية تقدماً بارزاً في المؤشر العالمي للأمن السيبراني الذي يضم 160 دولة ويأتي ذلك بفضل الجهود المبذولة التي ترتكز على المقومات البشرية، المادية، التقنيات التكنولوجية والتشريعات لحفظ أمن البيانات وجذب الاستثمارات الضخمة.
تعتبر البيانات المحرّك الأساس لاستمرارية الأعمال والشركات مع توسّع البرامج والمواقع الالكترونية والعملات المشفرّة والتطبيقات الذكية. كما يواجه العالم الرقمي اليوم حرباً من نوع آخر مع انتشار الوباء الذي برز معه دور الأنظمة الرقمية مما أجبر الحكومات والأفراد على اتباع معايير جديدة للاستثمار بالمشاريع الرقمية وحماية المعلومات الشخصية. وتتمثّل المعايير الجديدة بالشركات الناشئة، حملات التوعية، دعم المشاريع الخارجية والتطبيقات الذكية، ما دفع الحكومات المحلية والقطاعات الى تنفيذ خطط التحول الرقمي مع احترام الأمن والسلامة. فهل سيكون عام 2022 نقطة مفصلية في مسيرة الأمن السيبراني؟