شهد سوق مراكز البيانات نمواً بارزاً على ضوء تفشي وباء كوفيد-19 حيث اتخذت منطقة الشرق الأوسط والخليج مساراً لها يقضي برفع استثماراتها في هذا المجال لدعم كافة القطاعات. بدورها قدمت دول الخليج خططاً لتحويل القطاعين العام والخاص إلى قطاعات رقمية توفر الخدمات السريعة من جهة والمنصات الذكية من جهة أخرى لتجربة أفضل.
تخوض دول الخليج اليوم منافسة شرسة في ثورة البيانات العالمية، فبعدما كان النفط ركيزة اقتصادها أصبحت البيانات هي العنصر الأهم لتحقيق الأرباح ورفع الايرادات لديها. توفر البيانات فرصاً عدّة أمام الشركات والمستثمرين المهتمين بالاستثمار في قطاع التكنولوجيا واستخدام البيانات وتخزينها. إلى جانب ذلك، يُمثّل التحول الرقمي وحوكمة البيانات أحد الأهداف الأساسية التي تعمل دول الخليج على تحقيقها استجابةً إلى التحولات الأخيرة التي فرضها انتشار الوباء لا سيّما في قطاع الاتصالات والمعلومات. ومع زيادة استخدام تطبيقات الفيديو الافتراضية والاعتماد على انترنت الأشياء والتعلم الآلي والذكاء الاصطناعي، برز دور الحوسبة السحابية في الشرق الأوسط كما أطلقت كل من الامارات، المملكة العربية السعودية، قطر وغيرها من دول الخليج مبادراتها التي توسّع من خلالها مكانتها في المجال الرقمي مع الأخذ بالاعتبار أهمية البيانات الضخمة وتحليلها. فكيف تستعد دول المنطقة للسوق التنافسي وما تأثير التحول الرقمي في تسريع الاتجاه للاستثمار في مراكز البيانات؟
قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات يأخذ الحصة الأكبر من مراكز البيانات خليجياً
يُعد قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات سوقاً مهماً لمراكز البيانات في الخليج، نظراً لارتفاع معدل تبني التقنيات التكنولوجية في كافة القطاعات والشركات. كما أصبحت خدمات مراكز البيانات طلباً ملحاً لدى المشغلين كونها تخوّلهم التعامل مع البيئة الرقمية سريعة التحول. في العام 2019، خلقت تقنيات البلوك تشين وانترنت الأشياء فرصاً جديدة لموفري مراكز البيانات في دول الخليج. على ضوء ذلك، تبحث الشركات الناشئة في الإمارات مثلاً عن مزودي خدمات تكنولوجيا المعلومات المتخصصين في إدارة البنية التحتية الرقمية مما يؤكد نمو سوق مراكز البيانات خلال السنوات الخمس المقبلة. كما شجع نمو الخدمات المدارة في المنطقة على نمو خدمات مراكز البيانات.
وعلى خط المبادارات التي قامت بها شركات الاتصالات، وسّعت شركة الاتصالات المتكاملة (ITC) في أبريل 2019 محفظتها من الخدمات الأمنية في المملكة العربية السعودية وأطلقت مجموعة جديدة من خدمات الأمن المدارة لمساعدة المنظمات على رصد والتعامل مع الحوادث التقنية واكتشاف التهديدات وإدارة مخاطر الأمن السيبراني.
وفقاً لهيئة تنظيم الاتصالات في الامارات، بلغ إجمالي عدد اشتراكات الخطوط الثابتة في ديسمبر 2019 2.3 مليون في دولة الإمارات، أما في يناير 2019 ، فبلغ عدد اشتراكات الهاتف المحمول 217.9 اشتراكاً لكل مائة ساكن. بينما عدد إجمالي اشتراكات الهاتف المحمول النشطة في الدولة بلغ حوالى 18.37 مليون اشتراك وهذا ما دفع أكثر نحو الاستثمار في مركز البيانات.
استثمارات مراكز البيانات إلى ارتفاع استجابةً لاستراتيجيات التحول الرقمي
يترقب رواد التكنولوجيا طفرة في استثمارات مراكز البيانات خلال السنوات الخمس المقبلة كجزء من الخطط المطروحة لتحقيق التحول الرقمي الشامل في العالم العربي. وبحسب الدرسات الأخيرة، قد ينمو سوق البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات في الشرق الأوسط بمعدل نمو سنوي مركب يزيد عن 6% خلال الفترة الممتدة من العام 2020 لغاية 2026.
على الصعيد الاقليمي، تتصدر الإمارات في استثمارات مراكز البيانات السحابية التي ستكون البنية التحتية الأساسية للقطاعات العامة والخاصة والركيزة لمختلف التقنيات المستقبلية التي تعتمد على الانترنت والرقمنة أهمها المدن الذكية، سيارات ذاتية القيادة، الروبوتات وغيرها العديد. هذا وقد استثمر كل من شركة "اتصالات"، "الامارات للاتصالات المتكاملة" بمراكز البيانات بالاضافة إلى غيرها من الشركات العالمية المتخصصة بمجال التكنولوجيا مثل مايكروسوفت، أوراكل وأمازون التي أعلنت مؤخراً عن مشروعها بإقامة 3 مراكز بيانات في الدولة في النصف الأول من العام 2022 لتقديم الخدمات السحابية للمؤسسات العامة والخاصة وهذا يدل على قوة البنية التحتية التي تتمتع بها الإمارات لجذب الاستثمارات إليها خصوصاً في قطاع الاتصالات. يأتي ذلك مع توجّه الامارات للتحول إلى حكومة رقمية 100% بالاضافة إلى رؤيتها الهادفة للسنوات الخمسين المقبلة خصوصاً وأنها كانت من أول البلدان التي استفادت من البنية التحتية الرقمية مع ظهور فيروس كورونا.
بدورها تُكثّف البحرين جهودها لتعزيز التحول الرقمي في البلاد حيث أطلقت مركز البيانات الذي يحمي بيانات المستخدم ويستضيف جميع الحلول الرقمية والتكنولوجية. ستستفيد جميع الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية من مركز البيانات في البحرين الذي سيوفّر العديد من الحلول لتخزين البيانات ودعم الاقتصاد الرقمي في كل القطاعات العامة والخاصة ومساعدة الدول العربية للاندماج في الاقتصاد العالمي مثل الامارات، السعودية، الكويت، المغرب والأردن كمرحلة أوليّة. كما ستغطي الحلول التقنية الحكومة والتجارة الالكترونية وحلول النقل الذكية والهوية الرقمية بالاضافة إلى الاتصالات وإدارة الهجمات السيبرانية.
كذلك مصر التي تأخذ مكانة مميّزة في عملية التحول الرقمي من خلال تسهيل الاجراءات لإنشاء مراكز البيانات لمقدمي الخدمات في الدولة. وفي هذا السياق، يؤكد د. خالد العطار، نائب وزير الاتصالات للتنمية الإدارية والتحول الرقمى والميكنة أن عدد مراكز البيانات الحكومية المتواجدة في مصر سيصل إلى 90 مركزاً. ولفت العطار إلى أن حجم الاستثمارات التي ستضعها مصر في هذا المجال تتراوح قيمتها بين 3 إلى 4 مليارات دولار توازياً مع نمو مراكز البيانات في المنطقة العربية وتطور البنية التحتية سنوياً من 20% إلى 25%. كما تضع وزارة الاتصالات خطة للتوسع في مراكز البيانات عبر اعتماد الحوسبة الهجينة التي تجمع البيانات الخاصة بالسحابة العامة والخاصة.
نتيجة الجهود التي تبذلها المملكة العربية السعودية لتنفيذ رؤية 2030 تحسّن الحكومات خدماتها الرقمية وحلولها المبتكرة عبر الشركات التقنية، فقد بلغ حجم سوق خدمات مراكز البيانات لديها904 ملايين ريال سعودي في العام 2020 على أن ينمو بحلول العام 2024 ليصل إلى 1.3 مليار ريال سعودي أي بمعدل نمو سنوي مركب 7.54%. كما إن تطورتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، إنترنت الأشياء، الجيل الخامس وتحليل البيانات في المملكة سيزيد الاستثمارات أكثر في مركز البيانات ويتيح المزيد من الفرص على مدار السنوات المقبلة.
السعودية تتقدم في خدمات الحوسبة السحابية على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
تتقدم المملكة بخدماتها الرقمية على مستوى منطقة الشرق الأوسط مع تحسين أدائها وتطوير حلولها، فتشير الهيئات المختصة في المملكة الى أن خدمات الحوسبة السحابية تشكّل الركيزة الأساسية لتحقيق التحول الرقمي في كافة أنحاء المملكة وفي جميع القطاعات. إلى جانب ذلك، تهتم المملكة العربية السعودية بتحديث الإطار التنظيمي لخدمات السحابة لفتح سوق جديد يعزز دور مقدمي الخدمات ويجذب الاستثمارات المتنوعة إلى المملكة.
وبحسب نائب محافظ هيئة الاتصالات لتقنية المعلومات والتقنيات الناشئة، في السعودية، المهندس رائد الفايز، من المتوقع أن يزيد إنفاق المملكة على خدمات الحوسبة السحابية 30% من إجمالي الانفاق على قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات بحلول العام 2030 على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وعلى ضوء التوجهات التي تسلكها المملكة مؤخراً في قطاعات التقنية من المرجّح أن يزيد معدل النمو السنوي لسوق الخدمات السحابية 20% إلى جانب زيادة حجم سوق إنترنت الأشياء إلى 26% بحلول العام 2025.
"مايكروسوفت" تطلق مركز بيانات في قطر لتوفير الخدمات السحابية في البلاد
كسائر الدول العربية والخليجية، تتطّلع قطر إلى دمج التكنولوجيا بالأعمال وتعزيز البنية التحتية لديها تلبيةً لاحتياجات العملاء. كما من المتوقع أن يزيد الانفاق على خدمات الحوسبة السحابية بحلول العام 2024 إلى 228.6 مليون دولار إلى جانب زيادة الاستثمارات في الحلول السحابية التي سيصل صافي إيراداتها إلى 3.14 مليارات دولار خلال السنوات الخمس المقبلة. وبهدف تطوير البلاد رقمياً، أعلنت شركة "مايكروسوفت" عن إنشاء مركز بيانات في قطر خلال العام الحالي. وفي هذه المناسبة، أشارت المديرة العامة لـ"مايكروسوفت قطر" لانا خلف ضمن إحدى المقابلات، الى أن من خلال هذا المشروع، سيتمكّن الأفراد والشركات على حد سواء من الوصول إلى الابتكار وتحقيق التحول الرقمي في كافة المجالات ومواجهة التحديات والصعوبات المستقبلية.
هذه المشاريع وسواها، تدعم الشركات الناشئة في قطر إلى جانب ظهور الكفاءات في مجال التكنولوجيا. من جهتهم، يرى الخبراء أن التكنولوجيا المقدمة اليوم توفر الابتكارات المتنوعة وتساعد على سد الفجوة الرقمية بينما تسمح للجيل الجديد باستلام ريادة الأعمال التقنية. كما وقعت وزارة المواصلات والاتصالات في قطر وOoredoo اتفاقية تهدف إلى توسيع مركز البيانات الحكومي مما يتيح للجهات الحكومية البنية التحتية التكنولوجية، المرونة في الأعمال، توفير الخدمات السريعة واتصال مضمون بالشبكة.
في هذا الإطار أشار الشيخ ناصر بن حمد آل ثاني، رئيس الأعمال التجارية في Ooredoo: "يُعد التوقيع على هذه الاتفاقية دليلاً جديداً على دور Ooredoo كمقدم معتمد لخدمات مراكز البيانات للجهات والمؤسسات الحكومية لتوفير خدمات الاستضافة السحابية والبنية التحتية والخدمات المدارة من دون تكبد تكاليف رأسمالية كبيرة."
الشركات الناشئة تواجه تحديات لإدارة مراكز البيانات
تواجه الشركات الناشئة تحديات متزايدة بشأن إدارة مراكز البيانات منها تقني ومالي خصوصاً مع زيادة الأجهزة المتصلة بالانترنت وأعداد الخوادم والتطبيقات الذكية. بدورها، تلمّح الشركات الى قلقها بشأن التكاليف التي تقع على عاتقها لتسيير عمل مراكز البيانات التي قد تتوقف لأسباب منها أخطاء بشرية، تقنية أو في البرمجة.
اما التحدي الأكبر فهو في كيفية إيجاد الحلول الأنسب للتعافي من تداعيات الجائحة والعمل على توسيع نطاق خدمات الحوسبة السحابية لإرضاء العملاء والاستجابة لحاجتهم خصوصاً مع اعتماد العمل والتعلّم عن بُعد.
على ضوء ذلك، تأتي الخدمات السحابية لتتصدر الطلب العالمي مع وجود إضافة في عدد مراكز البيانات وهذا ما يجذب الكفاءات والمهارات في مجال الرقمنة، إلا أنه لا يزال العدد غير كاف والشركات بحاجة إلى مزيد من المهارات لدعم المشاريع الابتكارية.
الحوسبة السحابية تدخل مستقبل القطاعات وزيادة العائدات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
تدخل تطبيقات الحوسبة السحابية في نمو الأعمال والقطاعات التقنية والتكنولوجية بشكل خاص ما يُلزم الدول على المثابرة لتحقيق التحول الرقمي ومواكبة التطورات الحديثة ليس فقط في الاتصالات.
وتؤكّد الدراسات مدى اندماج خدمات الحوسبة السحابية في أعمال الشركات الناشئة توازياً مع حاجة السوق إلى هذه الخدمات. أما بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط فستشهد نمواً ملحوظاً في الإنفاق على الحوسبة السحابية لتصل العائدات إلى 77 مليار دولار بنهاية العام 2021.
من جهتها، تعمل الشركات الضخمة مثل مايكروسوفت على تطوير الخوادم والتطبيقات كافة لتقديم أداء أفضل لا سيّما في القطاعات الرقمية مثل الصحة والتعليم والمدن الذكية في وقت سرّعت فيه كورونا التوجّه نحو أنظمة الحوسبة السحابية والخدمات الذكية.
أصبح التحول الرقمي الهدف الأساس للمنطقة العربية والخليج بشكل خاص فشهدنا خلال الأعوام الماضية ازدياداً كبيراً بعدد المبادرات الرقمية في المؤسسات العامة والخاصة. أما الحوسبة السحابية ومراكز البيانات فيعتبران من أساسيات التحول الرقمي وتبنيهما يسهّل هذه المسيرة. كما تدرك الشركات اليوم أن نجاحها واستمرارية أعمالها مرتبطان بالحلول الرقمية والمشاريع التكنولوجية أولاً لمرونة أفضل وخدمات محسّنة.