نجحت العواصم العربية والمدن حول العالم في تثبيت مكانتها في عالم التكنولوجيا مع دعم الابتكارات والشركات الناشئة إلى أن ظهرت المدينة الذكية لتتبنى كل هذه التحولات. فالثورة الصناعية الرابعة كانت الدافع الأكبر لتطوير المشاريع وإحداث تحولات رقمية كبيرة تطال كل مستويات حياة الانسان.
تشمل المدينة الذكية كل سمات التطوّر والحداثة التي توفّرها التكنولوجيا والأجهزة الذكية. في ظلّ التحديات التي واجهها العالم خلال الفترة الأخيرة، وحدها المدن الذكية تمكّنت من الصمود والاستمرار ومواجهة كل العقبات بأقل خسائر ممكنة. فمع استخدام الذكاء الاصطناعي، انترنت الأشياء والبيانات الضخمة، اندمج السكّان في أنظمة أساسية تربطهم بالمؤسسات والمنظمات وتلبي احتياجاتهم عند الضرورة. في العام 2020، أي مع ظهور وباء كوفيد-19، كانت المحطّة الأبرز للمدينة الذكية التي كان وجودها أساسياً للحفاظ على الترابط الافتراضي مع احترام التباعد الاجتماعي في آن واحد. وبحسب أحدث التقارير سيصل سوق المدن الذكية العالمي إلى 2.51 تريليون دولار أميركي في العام 2025، أي بمعدل نمو سنوي مركب 20.51% خلال الفترة الممتدة من 2021 إلى 2025.
الإمارات والسعودية تحتضنان أذكى المدن العربية
تتألق المنطقة الخليجية بخدماتها وابتكاراتها الذكية التي تتميّز بها عن سائر دول المنطقة وهذا ما يجعلها محطّ أنظار العالم على المستوى الاجتماعي، العملي والخدماتي. على الرغم من كل التحديات، نجحت العواصم العربية بتحقيق المرونة والسرعة بتلبية متطلبات العملاء ومعالجة التعاملات الرقمية وتنظيم عمل الهوية الرقمية ودعم التطبيقات والمنصات الحكومية الرقمية لا سيّما بعد انتشار وباء كوفيد-19.
للمرة الثانية على التوالي، احتلت أبوظبي المرتبة الأولى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مؤشر المدن الذكية لعام 2021، والمرتبة 28 عالمياً، لتتقدّم بذلك 14 مرتبة مقارنةً بتصنيف العام الماضي. أما في المرتبة الثانية عربياً فجاءت دبي والمرتبة 29 عالمياً تلتها الرياض في المرتبة الثالثة عربياً والمرتبة 30 عالمياً، لتتقدّم بذلك 23 مرتبة وتصبح أذكى مدينة بين عواصم دول مجموعة العشرين والثلاثين على المستوى العالمي.
على الخط نفسه، احتلت المدينة المنورة المرتبة الرابعة التي صُنفت ثاني أذكى مدينة سعودية بعد الرياض. أما في المرتبة الخامسة عربياً فكانت العاصمة المغربية الرباط التي احتلت المرتبة 103 عالمياً تلتها القاهرة في المرتبة السادسة عربياً وفي المركز 104 عالمياً.
يرتكز تصنيف المدن الذكية على الخدمات التي تحتويها المدينة والبنية التحتية المتاحة لديها، كما يبحث المؤشر خمسة محاور أساسية تتعلّق بالصحة، التنقل، الأنشطة، الفرص والحوكمة. وبحسب معايير التقييم للمدينة الذكية يتم البحث بضرورة تحقيقها التوازن بين الاقتصاد الرقمي والتقنية، قدرتها على سد الفجوة بين متطلبات وحاجة العملاء، طرح السياسات الملائمة لبناء قاعدة قوية للمدينة الذكية مع مراعاة الابعاد الانسانية ودور الانسان للتوصل إلى التحول الرقمي الشامل.
من التخطيط إلى التنفيذ، إليكم أفضل المدن الذكية حول العالم
تُنفّذ الدول حول العالم سلسلة من المشاريع الضخمة التي تهدف إلى تحسين أدائها وتطوير مهاراتها الرقمية، لإرضاء العملاء وتلبية حاجة السوق. بعد الجهود المكثّفة، ها هي أفضل 8 مدن ذكية في العالم تتصدر القائمة من حيث البرمجيات والتطبيقات والمنصات الالكترونية الحديثة.
تتصدر لندن قائمة أفضل المدن الذكية حيث توجد في عاصمتها أهم الشركات الناشئة إلى جانب التخطيط المستمر لتطبيق التكنولوجيا في القطاعين العام والخاص وتوفير رأس المال البشري. كما يمكن الاستفادة من برنامج "كونكتد لندن" الذي يهدف إلى تسريع الجيل الخامس في كافة أنحاء المدينة بالاضافة إلى الخطط المستقبلية بتوفير الوصول اللاسلكي إلى شبكة واي- فاي في المباني والشوارع العامة.
في المرتبة الثانية تأتي نيويورك التي تعتبرمن أفضل المدن الذكية مع امتلاكها الاقتصاد الرقمي المزدهر، وبرنامجاً تجريبياً يُثبّت مئات الأجهزة الذكية ويوفر شبكة واسعة النطاق في مناطق العمل. كما تسعى المدينة إلى استخدام البيانات الضخمة لادارة الخدمات إلكترونياً.
على أثر أزمة كورونا، تجاوزت سينغافورة الاجراءات الصارمة من خلال توسيع التقنيات الرقمية وزيادة الانتاجية. هي التي تملك رؤية "الأمة الذكية" تعمل سينغافورة على جمع البيانات عبر أجهزة الاستشعار المرتبطة، فيتم إرسالها إلى الوكالات الحكومية المختصة (حركة المرور، المشاة، الطرقات...) ليتم التخطيط والتحليل وتنفيذ الخدمة المطلوبة.
ومن بين المدن الذكية لعام 2021، كوبنهاغن التي تسعى إلى تحقيق التطوير الرقمي الكامل عبر السياسات البيئية والاستدامة. كما تملك المدينة منصة رقمية تربط إشارات المرور وأنظمة الوقوف والعدادات الذكية والمباني والشوارع العامة والسيارات الذكية أو ذاتية القيادة ببعضها في تجربة فريدة.
كذلك مدينة بوسطن التي تعتبر من المدن الرائدة في القطاع الرقمي مع إنشاء أكثر من 200 شركة ناشئة. وتتمحور خطة المدينة على "التمدن التشاركي" الذي يرتكز على اعتماد التطبيقات الذكية للتواصل مع السلطات المختصة وحل المشاكل وتلقي المعلومات الضرورية من الجهات المعنية.
أخيراً نذكر مدينة أمستردام التي تحتضن التحول الرقمي بكل جوانبه، حيث طوّرت قاعدة البيانات لديها لتضم 12000 مجموعة بيانات يتم جمعها من كافة المناطق. إلى جانب ذلك، أنشأت المدينة مختبر iot living، وزودته بإشارات إنترنت الأشياء الذي يستخدم للوصول إلى البيانات عن طريق البلوتوث.
الذكاء الاصطناعي يدعم إمكانات المدينة الذكية
تتوسّع استخدامات الذكاء الاصطناعي لتطال كافة المجالات والقطاعات من دون استثناء بعدما كان اعتماده منحصراً مع الالكترونيات فقط. في السنوات الأخيرة، بدأنا نشهد دمج الذكاء الاصطناعي بالمعاملات الحكومية أو خدمات القطاع العام من تنظيم السير، التنقل العام وغيرها العديد. ففي المملكة المتحدة، أدخلت شركة Great Manchester إشارات المرور التي يتحكم فيها الذكاء الاصطناعي في العام 2020 لتحسين السلامة وتقليل الازدحام، بينما تقدم بعض الشركات سيارات ذاتية القيادة تستجيب إلى التقنية التكنولوجية. كما عمدت دول أخرى الى دمج الذكاء الاصطناعي لدعم تقنية التعرّف على الوجه والصوت بدون تلامس مباشر خصوصاً في محطات النقل العام مثل التاكسي أو المترو.
المدينة الذكية تتأرجح بين نجاح البناء ومخاوف من المستقبل
أثبت مفهوم المدينة الذكية نجاحه في المدن المكتظة سكانياً كمصر والهند مثلاً التي ربطت خدماتها الأمنية وشبكاتها بالتعامل الرقمي. يعمل المطورون في الهند على إضافة الخدمات الرقمية وتعزيز البنية التحتية وتحديث المؤسسات لهذه الغاية. وفقاً لذلك، يُعد إنشاء المدينة الذكية مشروعاً كاملاً يرتبط بالاقتصاد، الاجتماع، التكنولوجيا والعلاقات الخارجية والداخلية بهدف إشراك السكان ووضع متطلباتهم كأولوية.
ومع التوجه أكثر نحو توسّع المدينة الذكية، تزداد المخاوف بشأن المشاكل التي يمكن أن تظهر مع الوقت. فبقدر ما تعدنا بمستقبل مزدهر بقدر ما تهدد الأمن الرقمي لكل مواطن، فلا تقتصر المخاطر على انتهاك الخصوصية الالكترونية فحسب بل هي تهدد نمط حياة بأكمله.
ترتبط المدينة الذكية بتكامل التقنيات المراقبة لتحركات المواطن خصوصاً مع وجود أجهزة الاستشعار وأنظمة جمع البيانات البيومترية. على ضوء ذلك، تبدي بعض الدول مخاوفها من قدرات المدينة الذكية كالولايات المتحدة الأميركية التي تحذّر من إساءة استخدام الأجهزة المتطورة تجنباً لأي توتر.
بحلول العام 2025، من المرجح أن يكون هناك أكثر من 75 مليار جهاز متصل حول العالم إلا أن عدداً كبيراً منها قد لا يتوافق مع الخصوصية الرقمية.
لذلك، يتعيّن على السلطات والشركات التقنية وضع القوانين لحماية الأمن الرقمي وفقاً للهجمات الأكثر تكراراً بالاضافة إلى تكثيف حملات التوعية بشأن الأمن الالكتروني وكيفية استخدام الأجهزة والمنصات الذكية للحدّ من التهديدات والهجمات السيبرانية المرتقبة.
في العام 2021، تستمر المدن في البحث عن أفضل الحلول والممارسات للانتقال إلى المدينة الذكية، والتمرّس أكثر على التطبيقات الذكية والتقنيات المتطوّرة (التعرّف على الوجه، رمز الاستجابة السريع) للحفاظ على السلامة العامة في ظلّ انتشار كورونا. فمجال التكنولوجيا واسع ولا يطال الخدمات العامة فقط بل يمكن دمجه مع كل القطاعات، فهل المدن الذكية مستعدة لهذا الاقبال؟