خلقت الثورة التكنولوجية قاعدة جديدة للاقتصاد العالمي حيث تغيّرت إستراتيجية الأعمال في كافة القطاعات. ومع كل التحديات والصعوبات التي مرّت بها الشركات منذ بداية 2020 إلى اليوم، تمكّنت العلامات التجارية للشركات التكنولوجية والتقنية على وجه الخصوص من كسر المشهد "الدرامي" ورفع قيمتها السوقية وميزانياتها المالية.
مع توسّع الرقمنة بين دول العالم العربي والغربي وإعتماد الآلات الذكية إلى جانب البرامج المتطوّرة، تبدّلت تراتبيّة الهرم الاقتصادي بحيث كان يشكّل القطاع الصناعي بدايةً أساس الاقتصاد، أما الآن فاختلف الوضع بعدما هيمن القطاع التكنولوجي وشركاته على الشركات الصناعية. هذا الواقع غيّر نظرة العملاء من جهة وروّاد الأعمال من جهة أخرى، هم الذين باتوا يبحثون عن الأساليب المؤاتية للتأقلم مع الواقع الجديد والانتقال بسرعة إلى تحقيق الرقمنة على كل المستويات. فبحسب البيانات الواردة عن مؤسستي بلومبرغ وpcw ، كان يُعد القطاع التكنولوجي من أهم القطاعات عام 2017 من حيث القيمة السوقية بإجمالي قدره 3.582 مليارات دولار. كما تشير آخر التقارير إلى أنه هناك 8 من بين أكبر 10 علامات تجارية ترتبط مباشرةً بمجال التقنية والتكنولوجيا.
التقنية حول العالم تتصدّر المؤشرات الرقمية لعام 2021
حقّقت شركات التكنولوجيا ما لم تحقّقه خلال سنوات عدّة، هي التي استغلت أزمة كوفيد-19 لتحسين تطبيقاتها وخدماتها وجذب العملاء إليها. وفي إطار التقدم الذي أحرزته هذه الأخيرة، كشفت Brand Finance عن تصنيفها السنوي الذي تضمّن أكثر من 50 ألف شركة من أهم العلامات التجارية حول العالم. وبين العلامات التجارية الأسرع بتحقيق الأرباح وأكثرها تدهوراً، يبقى مجال التكنولوجيا هو المهيمن في الحالتين.
بحسب التصنيف، حلّت علامة آبل التجارية لأول مرّة بعد 5 سنوات من سيطرة أمازون على الصدارة بقيمة 263 مليار دولار لتحقق بذلك نمواً 87% نسبةً لعام 2020. أما المرتبة الثانية فكانت من نصيب علامة أمازون التجارية بقيمة 254 مليار دولار ونمت 15% مقارنةً بالعام الماضي.
تليها علامة غوغل التجارية بقيمة بلغت 191 ملياردولار حيث نمت 1.4% مقارنةً مع العام السابق.
المرتبة الرابعة كانت لعلامة مايكروسوفت التجارية وفقاً للتصنيف، بقيمة 140 مليار دولار. أما عن النمو الذي حققته فهو بنسبة 20% مقارنةً مع العام 2020. ثم تحّل علامة سامسونغ التجارية بقيمة 102 مليار دولار، بينما نمت 8.6% نسبةّ للعام السابق.
في المرتبة السادسة Walmart التجارية، بقيمة 93 مليار دولار ونمت بنسبة 20% مقارنةً بالعام 2020. تليها علامة فيسبوك بقيمة 81 مليار دولار ونمت بنسبة 2.1% عن العام الماضي. في المرتبة الثامنة ICBC بقيمة 72 مليار دولار. في المرتبة ما قبل الأخيرة تأتي Verizon التجارية بقيمة 69 مليار دولار أما في المرتبة العاشرة فحلّت علامة WeChat التجارية لتدخل الترتيب للمرة الأولى بقيمة 86 مليار دولار ونمت بنسبة 25% مقارنةً مع العام الماضي.
إرتفاع إيرادات عمالقة التكنولوجيا في ظلّ الإغلاق التام
لم يكُن وقع الأزمة الصحيّة بهذا السوء على عمالقة التكنولوجيا كما كان على سائر القطاعات التي عانت الكثير إقتصادياً وإنتاجياً. يعتبر التقنيون أن شركات التكنولوجيا والاتصالات كانت من أكبر الرابحين خلال إنتشار كوفيد-19 حيث تداركت الوضع المفروض مما إنعكس ذلك على إرتفاع إيراداتها التي تخطّت تريليون دولار لعام 2020.
بدورها، نشرت بلومبرغ بياناتها التي بيّنت إرتفاع الايرادات بين عامي 2019 و2020 لأكبر 5 شركات تكنولوجيا عالمية. وفي الأرقام، إرتفعت إيرادات شركة أمازون من 280.52 مليار دولار إلى 386.06 مليار دولار خلال عام 2020. أما شركة مايكروسوفت فارتفعت إيراداتها من 134 مليار دولار لعام 2019 إلى 153 مليار دولار لعام 2020. كما نذكر غوغل التي إرتفعت إيراداتها من 131.77 مليار دولار عام 2019 إلى 149.75 مليار دولار. أخيراً شركة فيسبوك التي حققت أرباحاً طائلة مع إرتفاع إيراداتها من 70 مليار دولار إلى 86 مليار دولار عام 2020.
الدقيقة الواحدة كانت كفيلة لتحقيق الأرباح الخيالية لكل من الشركات المذكورة أعلاه. فاستنتاجاً من نتيجة الايرادات الواردة لعام 2020، كانت أمازون تجني خلال الدقيقة الواحدة 735 ألف دولار أما مايكروسوفت فكانت تجني 291 ألف دولار. فيما غوغل بلغت أرباحها خلال الدقيقة الواحدة 285 ألف دولار بينما فيسبوك كانت تجني 164 ألف دولار.
السبب وراء سيطرة شركات التقنية على سائر القطاعات
لم تٌسجَّل هذه الأرباح من لا شيء، فهناك عوامل عدّة ساهمت بوصول شركات التكنولوجيا إلى هذا التصنيف. السبب الأوّل يعود إلى أزمة كورونا التي شلّت الحركة في العالم وفرضت التباعد وإلتزام المنازل مما أدى إلى تهافت الناس على الوسائل الترفيهية الافتراضية والأجهزة الذكية للتواصل.
أما عن العوامل التقنية، فتملك هذه الشركات سعة كبيرة للبيانات لتخزينها ونقلها فتعمل الفرق المتخصصة على متابعة نشاط المستخدم لمعرفة ما يفضّل وبالتالي توظيف كل المميزات وفقاً لرغبته. من هذا المنطلق بدأت شركات مثل غوغل وفيسبوك الاعتماد على الاعلانات التسويقية من خلال جمع بيانات المستخدمين وتحليلها.
كذلك يُعد تحديث البرامج من أهم العناصر الأساسية لتطوّر شركات التكنولوجيا وتميّزها في السوق خصوصاً وأن المستخدم يبحث عن السرعة والترفيه. إلى جانب ذلك يبقى العنصر الأهم وصول خدمة الشركة لكل أنحاء العالم دون تمييز، يكفي الاتصال بالانترنت.
نجاح شركات التكنولوجيا إرباكٌ للقطاعات الأخرى.. كيف؟
دفعت الشركات البعيدة عن التكنولوجيا ثمن هذا الخيار فهي اليوم تتحمّل أعباء وتداعيات التغييرات التي حصلت خلال السنوات الأخيرة على هذا الصعيد.
بعد هيمنة العلامات التجارية التكنولوجية على الاقتصاد أصبحت شركات التكنولوجيا تمتلك حصّة كبيرة لها ضمن الاسواق التجارية العالمية على حساب باقي الشركات وهذا ما قد يُفقد عنصر التنوع في نوعية الشركات المنافسة.
على أثر ذلك، أصبح مصدر الربح والأموال يعود إلى إتجاه واحد يرتبط بشركات التكنولوجيا فقط؛ فمن المستحيل اليوم أن تقوم شركة بحدّ ذاتها بدون الاستعانة بالخدمات الرقمية لشركات التكنولوجيا وآلاتها الذكية. وأبعد من ذلك حتى، يسعى عمالقة التكنولوجيا إلى توسيع أعمالهم ضمن نشاطات أخرى مثل التجزئة على سبيل المثال حيث باتت أمازون تُعتبر من أهم علامات التجزئة الرقمية التي إزدهرت أيضاً مع إنتشار الوباء. هذا الواقع أثّر سلباً على تجار التجزئة "التقليديين" بما أن العميل يفضّل الخدمة أونلاين عبر الانترنت الحل الاسهل والأوفر له على الاطلاق.
ومن القطاعات التي تأثرت بهيمنة شركات التكنولوجيا، قطاع الاعلانات. تهتم العلامات التجارية التكنولوجية بإعلاناتها على الانترنت كمصدر ربح إضافي. ففي عام 2016 سيطرت غوغل على 49% تقريباً من ارباح الاعلانات بيما حققت فيسبوك 40% من الارباح.
منافسة لجذب الاستثمار في الشركات التكنولوجية !
أصبح قطاع التكنولوجيا أرضاً خصبة لكل من يريد كسب المال و"السلطة" إذا صحّ التعبير. لهذا الهدف شهدنا الصراع القائم بين الولايات المتحدة والصين اللتين تعملان كل ما بوسعهما للتقدّم في الابتكارات الرقمية على الأخرى. بحسب الدراسات تملك الصين العديد من العلامات التجارية التكنولوجية وهي في صدد التوسّع المستمر في هذا المجال. بينما الولايات المتحدة تملك أيضاَ شركات تكنولوجية مهمة تليها اليابان وألمانيا وفرنسا.
تتوجه الشركات التكنولوجية إلى الهيمنة الكليّة على الاقتصاد هذا ما قد يكون له تداعياته من مختلف النواحي أوّلها خسارة اليد العاملة البشرية التي ستحلّ مكانها الآلات والروبوتات وبرامج الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء. أما للسنوات المقبلة فقد نكون أمام مرحلة إنتقالية جذريّة مدعومة بمشاريع التكنولوجيا والتقنية فقط.