لطالما اتُهمت المواقع الالكترونية بإبعادنا عن الحياة الإجتماعية وقطع التواصل المباشر بين الناس، إلا أن مع تفشي وباء كوفيد-19 لجأ أغلبية سكان العالم إلى الانترنت لمتابعة حياتهم إفتراضياً والعمل عن بُعد ما أدى إلى إرتفاع حركة مرور البيانات على شبكة الإنترنت والويب والبث بنسبة مضاعفة على مدار الأشهر الماضية.
مع التشدد بإجراءات العزل المنزلي وإعلان حال الطوارئ في بعض الدول الأوروبية والعربية جراء إرتفاع عدد الإصابات فيها، ساعدت التقنيات التكنولوجية المواطنين على الإلتزام بالتعبئة العامة، ففي الصين مثلاً وكوريا الجنوبية شهدت خدمات الحوسبة السحابية إرتفاعاً مذهلاً خلال هذه الفترة. أما شركات عالمية مثل أمازون فعملت على تعزيز خدماتها أونلاين لتلبية حاجات العملاء في جميع أنحاء العالم. كذلك أنشأت بعض الجهات الرسمية والحكومات منصات رقمية ومواقع تسهّل التواصل بينها وبين المواطن من جهة ولإدارة التحرّكات ومنع التجمعات غير الضرورية من جهة أخرى. فكيف كان التجاوب مع هذه الاجراءات؟ وكيف غيّر المستخدم سلوكه على متصفحات الانترنت خلال فترة التعبئة العامة أو الـLockdown؟
تغيّر الاستخدام لمواقع التواصل الاجتماعي
كان لجائحة كورونا وقعها الايجابي على شركات مواقع التواصل الاجتماعي التي إرتفعت إيراداتها خلال فترة الحجر وشهدت عدداً هائلاً من النشطين الجدد. لم يكن ذلك سهلاً على الشركات التي لمست ضغطاً كبيراً على خدماتها، فكان لا بدّ لها أن تبدأ بعملية صيانة وتجديد خدماتها بهدف إرضاء المستخدم 24 ساعة. وفقاً لأبحاث مركز "غلوبال ويب إندكس"، زادت نسبة المستخدمين في الدول الغربية لمواقع التواصل الاجتماعي 50%، بغية البحث عن معلومات تتعلّق بمستجدات الفيروس التاجي. ومع فرض الحجر المنزلي، زاد إستخدام موقع فيسبوك 11% يومياً خلال شهر مارس الماضي مقارنة بالفترة نفسها من العام 2019. وتضاعفت الرسائل المرسلة عبر ماسنجر الذي إرتفع عدد مستخدميه إلى 1.2 مليون مستخدم عام 2017 كذلك عبر منصة التراسل الفوري الأكثر إنتشاراً عالمياً واتساب الذي وصل عدد مستخدميه لغاية عام 2021 إلى 25.6 مليون مستخدم.
مقابل ذلك، تكبّدت شركات الاعلانات خسائر مالية فادحة على وقع هذا التحوّل المفاجئ لسلوك المستهلك، وفي هذا السياق أعلنت فيسبوك عن تراجع الطلب على الاعلانات، هذا عدا عن الشركات التي سحبت إعلاناتها لخفض التكلفة. ولكن بعد إعادة العمل بشكل خجول، عادت الشركات إلى طرح إعلاناتها ولو بنسب أقل من قبل.
إملأ الاستمارة للتجوّل!
مع الواقع الصحي الصعب، تعمل السلطات على إيجاد الخطط الفعّالة وطويلة المدى للتعايش مع الوباء على جميع الأصعدة. إنطلاقاً من ذلك، دخلت السلطات في لبنان كسائر دول العالم إلى الحلول الرقمية والداتا لتأمين التواصل والاتصال في ظلّ الاقفال التام من خلال تخصيص بعض المنصات الالكترونية الرسميّة. ففي الحالات الطارئة، عليك تعبئة إستمارة إلكترونية لأخذ إذن رسمي للتجوّل، عندها إما يُسمح لك بالتنقّل وفق شروط معيّنة أهمها الالتزام بالوقت الذي يُحدّد على المنصة إما يُرفض طلبك.
تطبيقات ذكية لتتبّع كورونا
لعبت التطبيقات الذكية دورها في كافة القطاعات لا سيّما قطاع الصناعة والطب والتربية، أما مع كورونا فأصبح وجودها عنصراً أساسياً لتُحذّرنا من المصابين حولنا، وتُرشدنا الى أفضل المستشفيات التي تستقبل المصابين بالفيروس وغيرها من الخدمات. بالتوازي مع ذلك خصّصت كل وزارة صحّة تطبيقاً رسمياً لها لمساعدة المواطنين وتوجيههم وتأمين التواصل بينهم والطاقم الطبي لأي إستشارة سريعة في حال ظهور عوارض محتملة تشير إلى الاصابة بالفيروس. إلى جانب ذلك، تم إبتكار التطبيقات لتخفيف إنتشار العدوى قدر الامكان منذكر منها:
تطبيق معاً MA3AN: أطلقت وزارة الصحة اللبنانية تطبيق "معاً" لتتبع المخالطين. تم تطوير هذا التطبيق من قبل وزارة الصحة العامة وفريق من الخبراء من الجامعة الأميركية في بيروت وشركة TedMob. يعمل "معاً" عبر تقنية البلوتوث على هاتفك المحمول لبث تواجده بشكل مجهول إلى الأجهزة المحمولة الأخرى. كما يضمن هذا التطبيق خصوصيتك إذ أنه لا يكشف عن بياناتك أو معلومات عن مكانك الجغرافي فهو لا يتتبع الـGPS. حينما يكتشف تطبيقك جهازاً آخر يستخدم تطبيق "معاً"، يتم تبادل رقم عشوائي بين الأجهزة ويتم تخزينه محلياً على كل جهاز. هو متوفر على متجر أندرويد وآبل ستور.
تطبيق "إحتراز": تُلزم دولة قطر المقيمين لديها والمواطنين تحميل تطبيق "إحتراز" عبر هواتفهم الذكية لتعقّب إنتشار الوباء. يُخوّل "إحتراز" الدولة القطرية تتبع حركة المواطنين ومتابعة المخالطين لتنبيه الأشخاص المعرضين للعدوى. وكغيره من التطبيقات، يعمل "إحتراز" عبر البلوتوث لتتبع حركة المستخدم.
تطبيق "الحصن الرقمي": أطلقت دولة الامارات هذا التطبيق لتوفير الوقاية والتوعية للأفراد. يستخدم "الحصن الرقمي" إشارات بلوتوث ليحدد إذا ما كنت بقرب شخص مُصاب أو إذا كنت على مقربة من أشخاص خالطوا أو تقرّبوا من أفراد ثٌبتت اصابتهم بكورونا ويحملون التطبيق نفسه على هواتفهم.
Aarogya Setu: مبادرة حكومية من الهند. Aarogya Setu هو تطبيق أيضاً يتم تحميله على الهواتف الذكية لربط الخدمات الصحية الأساسية بشعب الهند ومحاربة جائحة فيروس كورونا. يساعد تطبيق الهاتف المحمول المستخدمين على تحديد ما إذا كانوا معرضين لخطر الإصابة بكوفيد-19. كما يوفر للأشخاص معلومات مهمة لتجنب الفيروس وأعراضه.
التسجيل إلكترونياً للحصول على اللقاح
بينما يرتقب العالم وصول اللقاح المضاد لفيروس كورونا، تعمل وزارات الصحّة على تنظيم عملية إستلام اللقاح وكيفية توزيعه على الشعب. ولأن أخذ اللقاح غير إلزامي، أقدمت وزارات الصحّة مرة جديدة على الحلول الرقمية وإنشاء تطبيقات ذكية تسمح للمواطنين الراغبين بأخذ اللقاح بتسجيل أسمائهم على التطبيق المُحدد. ففي السعودية مثلاً، أعلنت وزارة الصحة السعودية بدء التسجيل للحصول على لقاح كورونا عبر تطبيق "صحتي". الأمر نفسه يُطبّق إلكترونياً في لبنان، قطر، الامارات، البحرين، سينغافورة، الصين، بريطانيا، فرنسا، الولايات المتحدة الأميركية وغيرها من الدول المحلية والعالمية.
تحميل التطبيقات بتصاعدٍ دائمٍ حتى عامنا هذا
بعيداً من الجانب الصحي تلعب التطبيقات الذكية دورها كوسائل ترفيهية ومسلية لتمضية فترة الحجر بسلاسة. إلى جانب ذلك، لا بدّ من الاشارة إلى عدد الخدمات المتنوعة التي تقدّمها كافة التطبيقات على أنواعها إن كان للتواصل أو التسوّق أو التعلّم وغيرها العديد. وعلى ضوء إنتشار كورونا، يمرّ سوق التطبيقات الذكية بمرحلته الذهبية إذا صحّ التعبير حيث يتم إطلاق مئات التطبيقات الجديدة يومياً وتحميل الملايين منها.
من أهم التطبيقات التي غزت العالم، تطبيق إنستغرام. هذا التطبيق الذي كان في البداية مخصصاً لمشاركة الصور والشبكات الاجتماعية يبرز اليوم بشكل أساسي بسبب تعدد مميزاته الفريدة. ووفقاً لموقع ستاتيستا، إرتفع عدد مستخدمي إنستغرام من 700 مليون عام 2017 إلى 909.8 ملايين مستخدم عام 2021.
وعلى الرغم من الآراء المتفاوتة حوله، تمكّن تطبيق سناب تشات من ترسيخ مكانته ضمن السباق الرقمي، هو الذي يعتبره البعض أنه موجه للفئة الشابة أكثر من غيرها إلا أن هذا التطبيق يتيح للمستخدم إرسال الصور ومقاطع الفيديو القصيرة. فبعدما كان عدد مستخدمي التطبيق اليوميين 173 مليوناً، وصل إلى 229 مليون مستخدم يومي في العام 2021.
نصل إلى التطبيق الأكثر جدلاً، تيك توك. يُرجّح أن يحقق هذا التطبيق نجاحاً باهراً ليصل إلى أكثر من 1.2 مليار مستخدم نشط شهرياً خلال عام 2021. وفقًا لتوقعات جديدة من شركة بيانات وتحليلات الهاتف المحمول App Annie، سيستمر المسار التصاعدي لهذا الطبيق في عام 2021، ، وقدّرت الشركة أن يتجاوز تيك توك المليار مستخدم نشط شهرياً العام المقبل.
كذلك تطبيق تويتر الذي يجمع 330 مليون مستخدم نشط شهرياً و 145 مليون مستخدم نشط يومياً.
عيون رقمية ومعلومات مغلوطة... فهل هناك ما يستدعي القلق؟
يحذّر الخبراء التقنيون من طغيان التطبيقات الذكية على حياتنا الروتينية حتى بات بإمكاننا التحدّث عن ظاهرة الادمان على الهواتف الذكية وهوَس السوشيل ميديا. ولأن أغلبية التطبيقات التي تُطلق حالياً تتعلّق بكورونا، تُحذّر منظّمة العفو الدولية من تطبيقات تتبع المخالطين للفيروس وتهديدها للأمن والخصوصية الالكترونية خصوصاً تلك التي قامت الكويت، البحرين والنروج بتطويرها. على ضوء ذلك تشير السلطات في كل من البلاد المذكورة إلى الهدف الوحيد من هذه التطبيقات وهو حماية الشعب والحدّ من إنتشار الفيروس مستنكرةً كل الاتهامات والمخاطر التي تم الإعلان عنها في ما يتعلّق باستخدام تطبيق التتبع.
إلى جانب ذلك،لا بدّ من الانتباه إلى التطبيقات الترفيهية الأخرى وإدراك كيفية إستخدامها بالشكل اللازم.
صحيح أن كورونا أشعلت العالم الرقمي والمواقع الاكترونية لتُبدّل الأرقام وتغيّر القواعد الأساسية لإستخدام الأجهزة والاستعانة بالتطبيقات الذكية. فإلى جانب حرب الوباء، يواجه عالمنا ثورة جديدة إفتراضية على شبكة الانترنت جنودها مجهولون وراء الحسابات والمواقع والروابط الالكترونية... أهلاً بكم في عالم السوشيل ميديا الواسع!