يمرّ لبنان بأصعب مرحلة منذ عقود إلى اليوم، حيث يعاني الشعب الكثير من الضغوطات الخارجية والداخلية إن على المستوى المعيشي أو العملي أو الاجتماعي. إلا أن التجاذبات السياسية فاقمت الوضع مما أثر على كل القطاعات الأساسية والثانوية منها. في ظل الحالة الرديئة هذه، قد تكون مشكلة إنقطاع الانترنت والخدمات أونلاين واحدة من أهم المشاكل التي يواجهها اللبناني.
بين الأزمة الاقتصادية وارتفاع سعر صرف الدولار من جهة، وبين العقوبات والنعرات السياسية من جهة ثانية والأزمة الصحية وليدة فيروس كورونا من جهة ثالثة، مشكلة جديدة تُضاف إلى سلسلة المعاناة اليومية للمواطن لبناني والسؤال واحد: ماذا عن الانترنت في ظل شح الدولار وهل الخدمات أونلاين باتت مهدّدة أيضاً؟ في حين تفرض المصارف اللبنانية قوانينها حول طريقة الدفع وحدّدت لكل مودع القيمة القصوى التي يمكن الدفع فيها عبر بطاقة الائتمان مقابل خدمات الانترنت والاشتراكات أونلاين، بات المواطن مقيّداً بعدّة شروط مفروضة عليه تمنعه من ممارسة نشاطه على الانترنت بالطريقة التي يريدها.
الاشتراكات أونلاين في ظل الأزمة المصرفية
لا حياة بلا خدمات الانترنت، هكذا تصنّف غالبية اللبنانيين علاقتهم بمدى إستخدامهم لشبكة الانترنت التي تُعتبر من أولويات العيش اليومي. فإذا أردنا البحث حول مدى دخول الانترنت والعالم الرقمي في تفاصيل حياتنا، حدّث ولا حرج. تعتمد الغالبية، إذا لا نريد الإجمال، على خدمات الانترنت إن كان في الشق العملي، أو كروتين يومي لمتابعة التطورات العالمية عبر الصحف الالكترونية، أو كوسيلة للتواصل أو حتى للترفيه. إلا أنه لا يمكن الاستفادة من كل هذه الخدمات سوى مقابل إشتراك شهري إلزامي مثل إشتراك لخدمة نتفليكس، أو لبث المحتوى أو لمشاهدة الفيديو عند الطلب ( video on demand)، أو للألعاب أونلاين أو للإشتراك في بعض المواقع الاكترونية المدفوعة والدفع للخدمات السحابية وغيرها من البرامج الالكترونية. فمع حصر المصارف أموال المودعين، بات المواطن مهدّداً بالانقطاع عن كل نشاطه المدفوع إلكترونياً حيث أن قيمة المبلغ لتجديد الاشتراك بالخدمات أونلاين قد لا توازي قيمة المبلغ المحدد لسحبها عبر بطاقات الائتمان.إذاً يبقى الخيار واحداً، تقليص النشاط الالكتروني خصوصاً عبر التطبيقات التي تتطلب أي إشتراك شهري وتحديده بما يتناسب مع القيمة المسموحة من البنك للدفع أونلاين.
التجارة الالكترونية... وداعاً حتى إشعار آخر!
يعتمد عمل البعض على التطبيقات الذكية أي على التجارة الالكتروني التي تقتضي توفير خدمات أو أي منتج عبر حساب إلكتروني ليتم شراؤه أونلاين من قبل "الزبون الرقمي". ومع غياب التواصل المباشر بين التاجر والعميل، تعتمد إذاً هذه الحسابات على الدفع عبر التحاويل الالكترونية إن كانت محليّة أو حول العالم. على أثر الأزمة الاقتصادية وشحّ الدولار، ها هي التجارة الالكترونية تواجه تحديات عديدة تمنع التاجر من متابعة عمله أونلاين بشكل طبيعي وتعرقل استلام الأموال التي تُدفع من الخارج بالدولار، كذلك العميل المحلي الذي لم يعد بإمكانه الشراء بطريقة سهلة.
في هذا الصدد، تُعبّر إحدى الشابات التي تملك حساباً على إنستغرام لبيع وعرض الألبسة عن إستيائها من الوضع. فبحسب قولها، خفّض المصرف سقف الدفع عبر الإنترنت المسموح لها شهرياً إلى ثلاثين ألف ليرة لبنانية! هذا القرار منعها من الدفع أونلاين لتسويق صفحتها على إنستغرام فانعكس ذلك على إقبال المتابعين لها ولحسابها، مما أدى إلى تراجع المدخول وإجبارها على تحديد الطلبيات للدفع نقداً. هذا بالإضافة إلى كل أصحاب المشاريع الاستثمارية الذين توقفوا عن العمل كلياً إثر الأزمة بسبب العرقلات المالية والتحويلات الخارجية التي لا يتمّ إستلامها بالدولار أو على سعر الصرف- سعر السوق.
لا نتفليكس بعد اليوم
إن الوضع مع دفع الاشتراكات لمشاهدة نتفليكس، المنصة الأشهر لعرض الأفلام، ليس بعيداً عن المشاكل التي تعاني منها القطاعات كافة جراء الدولار. يعاني اليوم مشتركو نتفليكس من عدم قدرتهم على دفع الاشتراك الشهري للمنصة الذي بات يتطلّب fresh money. فبعد إيقاف بطاقات الائتمان والتحويلات الخارجية لبعض المشتركين، لم يعد بإمكانهم تجديد الاشتراك. على ضوء ذلك، لن يتوفّر نتفليكس للجميع!
تقوم المصارف بعرض بطاقة جديدة على المودعين خاصة بالانترنت وهي تتطلب إحضار fresh money لدفع الاشتراكات المطلوبة من خلالها مع تحديد سقف الدفع مسبقاً. وبما أن لا دولار متوفر، فيجب إذا شراء العملة من السوق، أي أن كلفة الـ 10$ باتت توازي 90 ألف ليرة لبنانية طبقاً لسعر صرف السوق.
لبنان ينفصل عن شبكة الانترنت
إن الوضع الذي وصل إليه موضوع شحّ الدولار لا ينذر بالخير أبداً، فلبنان مهدّد بالانقطاع عن شبكة الانترنت في كل لحظة خلال هذا العام. سبق أن حذّرت "هيئة أوجيرو" في وقت سابق من احتمال توقف خدمة الانترنت في لبنان نتيجة صعوبة دفع المستحقات لمقدمي الخدمة وتحويل الدولار إلى الخارج. ووفقاً للمعلومات ففي حال تم التأخير في الدفع، يتم إخراج لبنان من الشبكة.
كما لا بدّ من الاشارة إلى أن لبنان يتكلّف من أجل شبكة الانترنت أربعة ملايين دولار سنوياً، وينقسم هذا المبلغ بين ملونين كلفة للصيانة ومليونين كلفة الاشتراك، على أن يتم سداد المبلغ على دفعات. إنما مع أزمة الدولار، ممكن ان يوقف المورّدون تزويد هيئة أوجيرو بالتجهيزات المطلوبة للصيانة وتركيب الخطوط الجديدة. في ظل هذه التهديدات، سيواجه الموظفون مشكلة جديدة في قطاع البرمجة والتكنولوجيا فهم أول المهددين كون عملهم يرتكز أولاً وأخيراً على الانترنت والاشتراك بالخدمات على المنصات والمواقع الالكترونية. لا شبكة إنترنت! إذاً لا وظيفة لملايين المبرمجين!
أهم القطاعات معدوم في لبنان
بين الخدمات الترفيهية والحاجة الملحة للانترنت لإتمام كل الأعمال اليومية والعملية، أصبح اللبناني يواجه كماً هائلاً من المشاكل التقنية والمادية على هذا الصعيد. بإعتبار القطاع التكنولوجي من أهم القطاعات الحيوية التي تعمل الدول على صيانتها وتطويرها لما لها من انعكاسات إيجابية على سائر القطاعات والجوانب الحياتية الأخرى، يجب أن تسعى الدولة إلى الحفاظ على هذه الشبكة بكل ما أوتيت من قوة، بينما في لبنان فالوضع من سيئ إلى أسوء.
يبقى المواطن هو الرهينة الوحيدة لكل الاشتباكات المحليّة والصراعات الداخلية والخارجية وليدة السياسة بالدرجة الأولى. فتحت هذا الوضع تضيع أحلام اللبناني وأقل حقوقه تٌسلب منه! حق إشتراك الانترنت، حق التسوق إلكترونياً، حق الاستفادة من الخدمات الرقمية، حق متابعة التجارة الالكترونية ومنصات الأفلام وغيرها الترفيهية. كل هذه الحقوق باتت حلماً في القرن الواحد والعشرين، عصر التطوّر والتقدّم، عصر التكنولوجيا بإمتياز، فأين لبنان من هذا العصر؟