لم يتوقّع العلماء في مجال التكنولوجيا أو المتخصصين بقطاع المعلومات والاتصالات أن تقودنا التطوّرات الذكية إلى ما وصلنا إليه اليوم. فالأبحاث تقدّمت والنتائج تعدّدت والمستفيد واحد، يبقى المستخدم هو من يتمتّع بالابتكارات المطروحة ويأمل في أن يجد الأفضل دائماً بينما الشركات تطمح الى تحقّيق النجاح تلوَ النجاح وتجني الأرباح.
في ظلّ الأزمات الاقتصادية والمعيشيّة القاسية التي تعيشها أغلب الدول، وفي ظلّ الأوبئة والأمراض المتكاثرة المتفشية مؤخراً في كافة انحاء العالم، أقدمت الدول على أخذ الاجراءات والتدابير الاحترازية للوقاية من فيروس كورونا المستجد. وكأن هذا الوباء أتى لقلب المقاييس والمفاهيم التقليدية ويدخلنا إلى نهج جديد إن كان بنمط عيشنا اليومي أو حتى بطريقة وعينا وتعاطينا مع الأمور الطبية والرعاية الصحية بشكل عام، هذا من ناحية، وحتى بتعديل طرق تواصلنا مع الآخرين من ناحية أخرى. إن العالم يتّجه نحو كيفيّة استغلال امكانيات شبكة الانترنت والتكنولوجيا بتوسيع الفرص أمامنا وإغناء قاعدتنا المعرفية عبرها بالاضافة إلى مكافحة الخطر والرواسب الناتجة عن انتشار أي نوع من أنواع الفيروسات التي ممكن أن تهدّد السلامة والصحة العامة، كما هي الحال مع فيروس كورونا. فاليوم، إلى جانب الوقاية الصحية المتخذة على العاتق الشخصي، عمدت الشركات العالمية إلى فرض إجراءات صارمة وتعديلات تطال استراتيجية عملها بما يتناسب مع هذا الظرف الصعب، فأُلغيت المؤتمرات وتأجلت الأعمال لتفادي أي تجمّع أو احتكاك مع الآخرين ممكن ان يؤدي إلى تفشي المرض وارتفاع عدد الاصابات به. أما لبعض الشركات فكان الخيار أمامها بالتوجّه نحو التقنيات التكنولوجية الرقمية ونقل جدول أعمالها ومؤتمراتها إلى منصات إلكترونية أي إقامة مؤتمر رقمي وإلغاء المؤتمر المهني العادي الذي كان من المفترض ان ينعقد. ها نحن أمام مفهوم جديد من صنع العالم الرقمي... فما هو المؤتمر الرقمي أو "ديجيتال"؟
حركة مشلولة حول العالم
يواجه العالم مرحلة دقيقة وحسّاسة اليوم مع ظهور فيروس كورونا. الخوف يزداد من هذا الفيروس كونه ينتقل من شخص إلى آخر بشكل سريع وعوارضه لا تظهر إلاّ بعد نحو 27 يوماً من الاصابة. وبما ان لغاية الساعة لم يتمّ التوصل إلى أي دواء أو لقاح للحدّ من تفشيه ومحاربته بصورة كاملة، فرضت منظمّة الصحة العالمية على كافة الدول لا سيّما المناطق الموبوءة بعض التدابير الاحترازية الوقائية لمحاولة تفادي رفع عدد المصابين. في هذا الاطار، اتخذت كل الجهات المعنية في الدول كافة نذكر منها الصين، ايطاليا، ألمانيا، فرنسا، الكويت،السعودية، قطر، الامارات... اجراءاتها الخاصة إما بتعقيم الأماكن الأكثر ازدحاماً أو بمنع التجوّل لفترة معيّنة، تعطيل المدارس والأشغال لخفض حركة الناس وتقديم الارشادات والمعلومات اللازمة على سبيل التوعية عن عوارض الفيروس ونصيحة أي شخص يشعر بهذه العوارض أو أي شخص قادم من دولة خارجية أن يلزم الحجر المنزلي إلى أن تمرّ الفترة المعيّنة لظهور العوارض عليه. إن الالتزام بالخطوات التالية أثّر بشكل كبير على الاقتصاد العالمي حيث سُجّلت خسائر فادحة يقدّرها الخبراء بأنها تفوق 160 مليار دولار لتكون بذلك أكبر خسارة يسبّبها فيروس في عصرنا الحديث. إن مخاوف الأسواق العالمية تزداد مع وجود كورونا بما ان العلاقات التجارية مع البلاد الخارجية باتت شبه معدومة حالياً والتحويلات الخارجية جميعها توقّفت، ما أسفر عن تراجع بأسهم الشركات وبحركة الاستيراد والتصدير.
نصيب الأسواق التكنولوجية من الفيروس
لم يقتصر تأثير انتشار الوباء على الصحة العامة والقطاع الصحي فقط بل ضرب أرباح الأسواق والأسهم العالمية والشركات من مختلف القطاعات التي تتخبّط اليوم بخسائرها. فسجّلت شركة مايكروسوفت تراجعاً بأسهمها بنسبة 4% ممّا أدى إلى انخفاض القيمة السوقية للشركة الأميركية بما يعادل 50 مليار دولار أميركي بعدما ضعفت حركتها التوريدية للخارج. أما شركة آبل فتأثّرت سلباً بدورها، حيث أوقفت شركة "فوكس كون" التايوانية جميع عملياتها الصناعية في الصين، هي التي تعتمد عليها آبل لانتاج هواتفها. كذلك الحال لشركة "أمازون" وألفابت" التي خسرت نحو 250 مليار دولار، بالاضافة إلى خسارة من القيمة السوقية تقدّر بـ 237 مليار دولار للمجموعة المعروفة باسم GAFAM الرائدة بالمجال التكنولوجي. غوغل بدورها سجّلت خسائر نتيجة هذه الأزمة بنحو 44 مليار دولار. هذا من دون أن نذكر شركات الهواتف المحمولة التي تراجعت فيها حركة الشحن إلى 30% منها آيفون من شركة آبل، سامسونغ، هواوي... التي تأثرت سلبياً جرّاء الفيروس، خصوصاً بعد منع موظفيها من السفر إلى الدول الموبوءة.
في هذا الخصوص توقعت شركة Canalys تراجع النشاط التسويقي كون التجّار لن يطلقوا منتجات جديدة على مدى القريب، مضيفةً أنه من المرجح تراجع حركة شحن الهواتف الذكية في الصين إلى 50% لعام 2020.
أما على مقلب شركات الألعاب الالكترونية، فكان تأثير كورونا عليها مختلفاً تماماً. وبسبب فرض حظر التجوّل ارتفع عدد تنزيلات تطبيقات الألعاب بصورة خاصة حيث يجد المستخدم من خلالها وسيلة للتسلية وتمضية للوقت أثناء ملازمته المنزل لفترة طويلة فضلاُ عن تطبيقات الفيديو القصير التي شهدت ارتفاعاً بعدد المشاهدات. على ضوء ذلك، عمل مستثمرو الألعاب الالكترونية على تنشيط عمل تصميم الألعاب بعد ارتفاع اسهمهم كلعبة "تينسنت" بنسبة 2%، وأسهم شركات تطوير ألعاب الفيديو كـ Outpalm بنسبة 10%.
إلغاء المؤتمرات للوقاية
"الوقاية خير من العلاج"، مثل شعبي معروف أقلّه في الدول العربية المجاورة فعملت به لمواجهة كورونا، إنما ليست وحدها من إتبع استراتيجية الوقاية بل كل الدول حول العالم أيضاً. وعلى خلفية الوباء، شهدنا قرارات بإلغاء الكثير من المعارض التقنية، الحفلات والمؤتمرات لتجنّب التجمعات الكبيرة للحشود ممّا يعزّز إنتقال العدوى. فبينما كنّا نستعدّ لأهم المؤتمرات السنوية التي تطلق التقنيات والأجهزة المبتكرة التكنولوجية الجديدة في قطاع المعلومات والاتصالات فوجئنا بقرار إلغائها كحلّ موقّت لتجنّب الوباء واتباعاً لإرشادات منظمة الصحة العالمية.
أهم المؤتمرات التقنية التي ألغيت:
مؤتمر الهاتف النقال العالمي – Mobile World Cogress، الذي كان من المقرّر انعقاده بين 24 – 27 فبراير 2020. هو يُعقد سنوياً في برشلونه، ويُعدّ من أضخم المؤتمرات والمعارض للجوال حول العالم.
مؤتمر مطوري فيسبوك – Facebook F8، الذي ألغته شركة فيسبوك وكان من المقرر إقامته في كاليفورنيا بين 5-6 مايو 2020.
مؤتمر مطوري الألعاب – Games Developers Conference، من أهم المؤتمرات للعاملين بتطوير الألعاب الالكترونية، كان من المقرر عقده بين 16- 20 مارس في سان فرنسيسكو وقد ألغي بعد إعلان عدد كبير من الشركات المشاركة فيه كغوغل وفيسبوك إنسحابها للحفاظ على سلامة موظفيها.
مؤتمر فيسبوك العالمي للتسويق – Facebook’s Global Marketing Summit، كان من المقرّر ان يقام في سان فرنسيسكو 9 مارس 2020.
ومؤتمر عالم الذكاء الاصطناعي – AI Everything، تمّ تأجيله بعدما كان من المخطط أن يكون في دبي في 10-11 مارس 2020 تخوفاً من الفيروس ولحماية المستثمرين أو المشاركين في المعرض من خطر التعرض للاصابة.
تأجيل مؤتمر كاب سات Cabsat الذي سيعقد في دبي في 31مارس - 2 أبريل 2020
قمّة مستقبل البلوك تشين، Future Blockchain Summit، التي كان من المقرّر عقدها في دبي من 7-8 أبريل إلى 3-2 سبتمبر 2020.
كما ان شركة شاومي اتبعت القرار نفسه بإلغاء حدث إطلاق هاتفها الجديد ريدمي نوت 9، بعد أن كان مقرراً في 9 مارس 2020.
أسلوب جديد لاطلاق المعارض: بث المؤتمرات الرقمية
تشير التقارير والأبحاث الى إن التواصل المباشر مع الآخرين هو السبب الأساس لتفشي الكورونا بهذه السرعة، ولتجنّب ذلك قامت الشركات التكنولوجية حول العالم بتأجيل مؤتمراتها، وقد ذكرنا سلسة منها. فإلى جانب من اتجهوا نحو إلغاء مشاريعهم، هناك من اعتمد اسلوباً جديداً بالعالم الافتراضي ألا وهو عقد المؤتمرات الرقمية لما لها من حسنات وتداعيات إيجابية.
بعيداً من المؤتمر المهني التقليدي الذي اعتدنا على نمطه، ها هو المؤتمر الرقمي يدخل ضمن مشاريع الشركات التكنولوجية والتقنية العالمية ليغني المتلقي بحلقات حوارية، جلسات نقاش ومداخلات عديدة من مختلف أنحاء العالم.
إلى جانب تجنّب الحشود، وجدت الشركات أن طرح أعمالها إلكترونياً قد يوفّر عليها الكثير من الناحية المالية إن كان من ناحية توفير المال المخصّص لاستئجار القاعة، حجز الأماكن للصحافيين، تكلفة الاضاءة والمعدات التقنية وغيرها من التفاصيل. أما من ناحية الحضور والوافدين، فإن المؤتمر الرقمي سيوفّر عليهم السفر ودفع نفقات الفندق لتنحصر التكاليف في تسجيل الحضور والاشتراك عبر الانترنت الذي ممكن أن يكون مجانياً. ثانياً، تؤمّن المؤتمرات الرقمية الكثير من الراحة بما أنه يإمكانك متابعتها من أي مكان تريد فحضورك الشخصي غبر ضروري بالاضافة إلى أنه في ظلّ الظرف الصعب حالياً يُنصح بتجنّب أماكن التجمعات الواسعة.
ومن الشركات التي أجلت أو تُقرّر نقل مؤتمرها إلكترونياً تجاوباً مع التدابير الوقائية: شركة مرسيدس التي أرسلت بريداً إلكترونياً للصحافيين وإلى كل من كان من المفترض حضوره بالمؤتمر لاعلامهم عن إمكانية متابعة الحلقات الحوارية عبر الرابط المخصّص الذي أرفقته بالبريد، كذلك شركتا السيارات فولكسفاغن وأودي.
شركة فيسبوك أعلنت عن عرضها لأجزاء من مؤتمر مطوري فيسبوك عبر الـ online. تبعاً لهذه القائمة، قرّرت الشركة الصينية، أوبو، على أثر إلغاء مؤتمر الهاتف العالمي MWC، إطلاق هاتفها الجديد Find X2 عبر شبكة الانترنت حيث سيتمّ تغطية الحدث كاملاً.
للاستفادة القصوى، إتبع الخطوات التالية
كي لا تضيّع فرصة الاستمتاع بالمؤتمر الرقمي ودخول العالم الافتراضي، لا بدّ من الانتباه إلى بعض التفاصيل المهمّة على رأسها التحقق من بريدك الالكتروني بشكل مستمرّ كون عملية التسجيل أو المشاركة ستكون إلكترونياً أي لا وجود للتواصل المباشر مع القيّمين على المؤتمر الذي تودّ متابعته. بما ان المؤتمر ستشاهده من خلال الشاشة، قد يحصل أن تنسى موعد المؤتمر لذلك ضع إنذاراً على الهاتف لينبّهك الى الموعد وأضف الحدث ضمن قائمة الأحداث المهمّة لديك.
أهم المنصات الداعمة للمؤتمرات الرقمية
يهتم العارضون بجذب المشاهد وإبعاده عن الملل، فتحرص الشركات التي تعقد مؤتمراتها إلكترونياً إلى اختيار المنصة المناسبة لضمان متابعة عدد من المشاهدين كلّ أجزاء المحتوى.
أشهر المؤتمرات الرقمية تُقام عبر المنصات أو التطبيقات التالية:
LearningTimes: تركّز هذه المنصّة على خلق التفاعل الدائم بين المشاهد وأعضاء المؤتمر، تُنتج أهم المؤتمرات والأحداث الحيّة كما يعمل فريق عملها على تنسيق الحلقات الحوارية التي ستقام للعارضين عبر الانترنت والحفاظ على صورة وصوت نقي بالاستعانة بأحدث التقنيات.
Google Hangouts: التطبيق من غوغل يسمح للمشاركين بإجراء المكالمات والمحادثات المجانية عبر الانترنت لمالكي حساب على غوغل.
GoToMeeting: يؤمّن هذا التطبيق لكل الشركات أو فرق العمل التي تسعى إلى إجراء مؤتمرها إلكترونياً صوتاً واضحاً، اتصالاً آمناً لمن يريد المشاركة عبر الانترنت كما يمكن مشاركة الشاشة مع المتحدثين في المكالمات الجماعية، هو مجاني للاجتماعات التي لا تزيد عن ثلاثة أشخاص.
ReadyTalk: يتيح تنزيل أربع شاشات أثناء فيديو المكالمات بالاضافة إلى دقة عالية بالصوت والصورة.
Zoom: من أكثر التطبيقات إستخداماً للاجتماعات الالكترونية حيث يمكن عقد المؤتمرات والاجتماعات
عبر الهاتف المحمول وبالاتصال بشبكة الواي فاي.
لن يسلم قطاع الأعمال، المعلومات والاتصالات من الخضّات والأزمات العالمية شبيهة بالتي نمرّ بها اليوم، إنما لا بدّ من الابتكارات والتطوّرات التكنولوجية أن ترتدّ نتائجها بشكل إيجابي فتُنقذ بذلك وسائل العالم الافتراضي رواسب العالم الحقيقي.