تطورات لافتة يشهدها السوق المالي في المنطقة بالتوازي مع التحول الرقمي السريع. وبينما أصبحت التكنولوجيا العمود الفقري لأي استثمار، تركز الشركات على كيفية توظيف الحلول الذكية لرقمنة الخدمات المالية والمصرفية. كيف يتأثر القطاع المالي بهذه التحولات وما التحديات التي يواجهها؟
للاجابة على هذه الأسئلة، كان لمجلة تيليكوم ريفيو مقابلة مع ميشال صليبي، كبير محللي الأسواق المالية في FXPro.
كيف ستتأثر الأسواق المالية العربية بالضريبة الرقمية العالمية والتعرفات الجمركية الأميركية؟
الأسواق المالية العربية ستتأثر بشكل مباشر وغير مباشر بالضريبة الرقمية العالمية التي تستهدف الشركات ذات الإيرادات التي تتجاوز 750 مليون يورو سنويًا. هذه الخطوة قد تقلل من أرباح شركات التكنولوجيا الكبرى العاملة في الخليج، مما ينعكس على شهية المستثمرين تجاه أسهم هذا القطاع، خصوصًا في أسواق مثل دبي وأبوظبي حيث الحضور التكنولوجي في تصاعد. أما التعرفات الجمركية الأميركية، فإن تصاعدها ضمن إطار السياسات الحمائية قد يؤدي إلى تباطؤ حركة التجارة العالمية، وبالتالي إلى ضغط على صادرات الطاقة والبتروكيماويات العربية، مما ينعكس على ميزانيات الدول وسيولتها العامة.
من ناحية أخرى، قد يُسهم الضغط الضريبي الدولي في دفع بعض الدول العربية إلى تطوير أنظمتها الضريبية الرقمية، ما يوفر مصادر دخل جديدة ومستدامة دون الاعتماد الكلي على النفط. كما أن ارتفاع تكاليف التشغيل في الأسواق الغربية قد يدفع الشركات العالمية إلى تحويل جزء من بنيتها التحتية التقنية نحو دول تتمتع ببيئة ضريبية أكثر مرونة، مما يمنح الخليج فرصة لتعزيز استثماراته في مراكز البيانات والبنية التحتية الرقمية.
في ظلّ التحول الرقمي، برأيك ما الدور الذي تلعبه التكنولوجيا في الاستثمارات؟
بطبيعة الحال التكنولوجيا أصبحت اليوم العمود الفقري للاستثمارات الحديثة، حيث ساهمت في تحسين الوصول إلى الأسواق وتبسيط العمليات وتحليل البيانات بشكل أسرع وأكثر دقة. أكثر من 65% من المستثمرين الأفراد في الشرق الأوسط يستخدمون تطبيقات التداول عبر الهواتف الذكية، مما يبرهن على أن التكنولوجيا لم تعد مجرد أداة مساعدة بل أصبحت قناة الاستثمار الأساسية.
إضافة إلى ذلك، فإن انتشار التداولات المؤسسية التي تعتمد على الخوارزميات في الأسواق العالمية والتي تشكل أكثر من 60% من حجم التداول في بعض البورصات بدأ يمتد تدريجياً إلى بعض الأسواق العربية، مما يغيّر ديناميكية السوق ويزيد من فعاليته. كما أن الأصول الرقمية مثل العقارات المُرمّزة والأعمال الفنية الرقمية أصبحت جزءاً من سلة الخيارات الاستثمارية، وهو ما يزيد من عمق وتنوع المحافظ المالية للمستثمرين في المنطقة.
هل انتعاش السوق المالي يرتبط اليوم بتوظيف خدمات الذكاء الاصطناعي؟
مما لا شك فيه أن الذكاء الاصطناعي بات من أبرز العوامل المحفزة لانتعاش الأسواق المالية في العصر الرقمي. خصوصاً أن التوقعات تشير احتمال أن يضيف الذكاء الاصطناعي ما يقارب 320 مليار دولار إلى اقتصادات الشرق الأوسط بحلول عام 2030، وهي قيمة تعكس تحولاً استراتيجياً في طريقة إدارة الثروات وتحليل البيانات. العديد من البنوك الكبرى، مثل QNB وبنك أبوظبي الأول، أدخلت حلول AI في أنظمتها لإدارة المخاطر وتحسين أداء المحافظ الاستثمارية.
إحدى النتائج الملموسة للتحول الرقمي في الاستثمارهي تقليص فجوة الوصول بين المستثمرين الصغار والمؤسسات الكبرى إلى جانب ذلك، أصبح الذكاء الاصطناعي أداة رئيسية لاكتشاف التلاعبات السوقية عبر تحليل الأنماط غير المعتادة، مما يعزز الثقة والشفافية في السوق. كما بدأت بعض المؤسسات باستخدام تحليلات المشاعر المستمدة من وسائل التواصل الاجتماعي والأخبار المالية لتوقّع الاتجاهات السوقية، مما يوفر رؤية سلوكية لا يمكن تحقيقها بالأدوات التقليدية وحدها.
التطور اللافت اليوم هو أن الذكاء الاصطناعي لم يعد حكراً على المؤسسات المالية الكبرى، بل بدأت شركات ناشئة في العالم العربي تقدم أدوات تعتمد على الذكاء الاصطناعي لمساعدة الأفراد في بناء محافظ استثمارية تلقائية. كذلك، بدأت أسواق المال نفسها باعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي في مراقبة التداولات وتنظيم السوق، كما هي الحال في سوق أبوظبي المالي، الذي أعلن في 2023 عن استخدام الذكاء الاصطناعي لتعزيز الرقابة الفورية. علاوة على ذلك، فإن الذكاء الاصطناعي يُستخدم الآن في إدارة الصناديق الخاملة (Passive Funds) لتحسين توقيت المراجعة الدورية وتحديد الأسهم الأكثر استحقاقاً للدخول أو الخروج، ما يؤدي إلى تحقيق أداء أعلى بأقل تكلفة.
ما التحديات التي تواجه الخدمات المصرفية الرقمية في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا؟
التحديات تبدأ من بنية تحتية غير مكتملة في بعض الدول، مروراً بانخفاض معدل الشمول المالي. في المقابل، تواجه البنوك الرقمية تهديداً متزايداً من ارتفاع معدل الجرائم السيبرانية، حيث ارتفعت محاولات الاختراق بنسبة 65% بين عامي 2020 و2023، ما يفرض على البنوك استثمارات ضخمة في الأمن الرقمي.
لكن التحديات لا تتوقف عند هذا الحد، فالثقافة المالية الرقمية لا تزال محدودة، والكثير من المستخدمين لا يعرفون كيفية إدارة حساباتهم الإلكترونية أو حماية بياناتهم، مما يحد من تبني الخدمات الرقمية. كذلك، لا تزال المعاملات النقدية تهيمن على جزء كبير من الاقتصاد في دول مثل المغرب ومصر، ما يُبطئ انتقال النظام المالي إلى النموذج الرقمي الكامل.
كيف تتعامل الشركات مع التوجهات الجديدة وما الخطوات المطلوبة لرقمنة القطاع المالي؟
أعتقد أن الشركات باتت تدرك أن التحول الرقمي ضرورة لا غنى عنها، وتقوم بخطوات متسارعة لتطوير بنيتها التحتية الرقمية عبر تبني أنظمة الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي. كما أن الطلب على المهارات التكنولوجية ارتفع بنسبة 40% في دول الخليج عام 2023، مما يعكس تحولاً في طبيعة الموارد البشرية التي تحتاجها الشركات. كذلك، يجري حالياً تعزيز الشراكات بين المؤسسات المالية وشركات التكنولوجيا المالية حيث شهدت دول الخليج وحدها أكثر من 200 شراكة خلال عامين.
في هذا الإطار، أصبح اعتماد بيئات تجريبية تنظيمية أداة فعالة لتجربة المنتجات والخدمات الرقمية دون عوائق قانونية صارمة، مما يعزز الابتكار دون الإضرار بالاستقرار. إلى جانب ذلك، يشهد العديد من المؤسسات تحولات داخلية في ثقافتها التنظيمية، حيث أصبحت المرونة، واللامركزية، والاعتماد على حلول الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرار عناصر أساسية في النموذج المالي الجديد.