تختبر منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا مرحلة جديدة على صعيد تحسّن الاتصالات وتطوّرها فتستجيب الهيئات والمنظمات المعنية لهذه التحولات بهدف تحقيق التكامل التقني. في ظلّ انتشار الجائحة واجه القطاع العديد من التحديات على مستوى اليد العاملة ونقص المهارات والكفاءات وفقدان البنية التحتية المطلوبة تلبيةً لمتطلبات التحول السريع.
مجلة تيليكوم ريفيو عربية أجرت مقابلة حصرية مع المهندس محمد بن عمر، الأمين العام للمنظمة العربية لتكنولوجيات الاتصال والمعلومات – AICTO الذي شاركنا رؤيته في ما يتعلّق بنمو قطاع الاتصالات وكيف يُصنّف المنطقة العربية والشرق الأوسط في هذا المجال لمجتمع رقمي بامتياز.
كونك تتمتع بخبرة أكثر من 25 عاماً في مجال التكنولوجيا والاتصالات، كيّف تُقيّم واقع هذا القطاع على الرغم من كل التحديات التي مرّ بها خلال الفترة الأخيرة؟
يعتبر قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات محركاً محورياً للاقتصاد في كل دول العالم، حيث أصبح يقاس تطور الدول بمدى استغلالها للتقنيات الحديثة في مختلف القطاعات والأنشطة لإحداث التطور الاقتصادي والاجتماعي المنشود.
ومع تسارع وتيرة الأحداث عقب أزمة "COVID-19" وخاصة العزلة وقرارات الغلق لمنع تفشي الوباء التي عاشتها كافة الدول خلال الأزمة الصحية غير المسبوقة والخيارات التي اتخذتها معظم الحكومات والتي كان لها الأثر السلبي الكبير على العديد من الأصعدة خاصة على الصعيد الاقتصادي، نجد أن المجال التكنولوجي تميّز بعدة مؤشرات إيجابية، حيث لعبت التكنولوجيا والاتصالات دوراً محورياً في فك العزلة عن الأشخاص ومواصلة العديد من القطاعات أنشطتها عن بعد، عن طريق استغلال شبكة الانترنت والتقنيات التي وضعتها الشركات التكنولوجية العالمية على ذمة المستخدمين للتكيّف مع الوضع ومزاولة نمط حياتهم بطريقة طبيعية.
وفي هذا الخضم وبناء على الدروس المستخلصة من الأزمة الصحية سارعت جميع الدول بما فيها دول المنطقة العربية إلى تسريع وتيرة الانتقال إلى "المجتمعات الرقميّة" حيث لم يصبح هذا التوجه خياراً إنما أصبح واقعاً مفروضاً على كل الدول التي تودّ الانخراط في الاقتصاد الرقمي العالمي من جهة وتحقيق اكتفائها الذاتي في المجال التكنولوجي وأن تكون في مصاف الدول المنتجة للتكنولوجيا وليس المستهلكة فقط من جهة أخرى.
وباختصار يمكن القول إنّ التطور الهائل الذي شهدته تكنولوجيات الاتصال والمعلومات خلال أواخر القرن الماضي وبداية القرن الواحد والعشرون، وهي الفترة التي عاصرتها مهنياً، كانت وراء إحداث الثورتين الصناعيتين الثالثة والرابعة حيث غيرت وما زالت تغير نمط العيش وطريقة العمل علاوة على احداث انماط اقتصادية جديدة لم تكن معروفة من ذي قبل.
ما هي استراتيجية المنظمة العربية لتكنولوجيات الاتصال والمعلومات –AICTO والبرامج المطروحة لتحقيق النمو الرقمي في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا؟
المنظمة العربية لتكنولوجيات الاتصال والمعلومات، هي إحدى المنظمات المتخصّصة التابعة لجامعة الدول العربية وتنبع فكرة إنشائها من إرادة عربيّة لخلق مؤسّسة تساهم في تطوير قطاع تكنولوجيات المعلومات والاتصال في البلدان العربية.
ومنذ بداية أشغالها سنة 2008، أطلقت المنظمة رؤية إستراتيجية طموحة للعمل: "نحو مجتمع رقمي عربي متناغم يرتكز على التجديد والابتكار التكنولوجي ويوفر التكامل العربي- الإقليمي ويضمن الانصهار والمساهمة بكفاءة وفعاليّة في تنمية الاقتصاد الرقمي العالمي المستدام".
وتعمل المنظمة من خلال رؤيتها الإستراتيجية على إطلاق وتنفيذ مبادرات داخل المنطقة العربية تهدف خاصّة إلى مساندة الدول العربية للانتقال إلى الكل الرقمي وتمكين المواطن العربي من الانتفاع بخدمات رقميّة مجدّدة، وإلى تحقيق التكامل العربي والحد من الفجوات الرقميّة داخل المنطقة العربية ومع بقيّة دول العالم، ومن أهم برامجها الحالية: اعداد الاستراتيجية العربية لتكنولوجيات الاتصال والمعلومات والستراتيجية العربية للأمن السيبراني، برنامج بناء المستقبل الرقمي العربي، المدن الذكية والنقل الذكي من أجل مستقبل أفضل والبريد الرقمي في خدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
كما تسعى المنظمة في إطار دورها كمنسق "لمبادرة العاصمة الرقمية العربية" (قرار مجلس الوزراء العرب للاتصالات والمعلومات رقم 610 خلال الدورة العادية رقم 24) إلى معاضدة جهود الدول العربية لتحقيق النمو الرقمي وذلك من خلال التعريف وإلقاء الضوء على التجارب العربية الناجحة ومساعي الدول العربية للالتحاق بمصاف الدول الأخرى في المجال الرقمي.
في ظلّ المشاريع التي تخطط لها المنظّمة لتحسين خدمات العملاء والأعمال في العالم العربي، ما هي العقبات التي تواجهكم وما هي آلية العمل لتحسين الأداء بصورة دائمة؟
في إطار جهود المنظمة العربية لتكنولوجيات الاتصال والمعلومات لتأمين التحول الرقمي في العالم العربي، وحرصاً منها على المساهمة في تحسين وتطوير الخدمات المقدمة للعملاء، أطلقت المنظمة جائزة التميّز الرقمي لأفضل المؤسسات المالية العربية وذلك من أجل تحفيز التنافسية بين المؤسسات المالية العربية (بما في ذلك القطاعان المصرفي والبريدي) للعمل على تقديم أفضل الخدمات المالية الرقمية المبتكرة للعملاء والمساهمة في الحد من الفجوة الرقميّة المالية وتحقيق الشمول المالي والشمول المالي الرقمي.
وتسعى المنظمة من خلال مبادرتها إلى توعية أصحاب المصلحة حول أهمية تمكين كل المواطنين من النفاذ الى حساب مصرفي بقطع النظر عن وضعياتهم الاجتماعية أو المهنية، وتكمن أهم التحديات في مساعدة دول المنطقة على رفع مستوى الجاهزية في مجال الثقة الرقمية والتجارة الالكترونية من خلال العمل على توفير بيئة آمنة للمبادلات والمعاملات الالكترونية داخل كل دولة وبين كل دولة مع الدول الأخرى وتطوير استعمال الخدمات الماليّة الرقمية.
وفي هذا الإطار وبهدف تحسين الأداء بصورة دائمة على مستوى جميع بلدان المنطقة العربية وخاصة البلدان النامية، تدير المنظمة الشبكة العربية الإفريقية لخدمات الثقة الرقمية والتي تهدف إلى إيجاد فضاء مشترك لمختلف أصحاب المصلحة في المجال (القطاع العام والخاص ، الكيانات الدولية ، الأوساط الأكاديمية ، ...) لتبادل الخبرات والعمل من أجل توحيد ومواءمة القوانين الإقليمية المتعلقة بالمعاملات الإلكترونية وخدمات الثقة الإلكترونية بناءً على أفضل التجارب الدولية.
في عصر التكنولوجيا، ما رأيك بالاتجاه العالمي السريع نحو اعتماد الرقمنة والحلول الرقمية وكيف تنعكس هذه الخطوة على مكانة الدول العربية في سوق الاتصالات؟
في خضم المتغيرات المتسارعة التي أصبح يشهدها العالم، وبعد الطفرة الكبيرة التي حدثت في مجال تكنولوجيات الاتصال والمعلومات خلال العشريّة الأخيرة وبروز مفهوم الثورة الصناعية الرابعة التي تعني التحوّل الرقمي الشامل في كافة المجالات الصناعية والخدمية وتعتمد بشكل كبير على الاقتصاد القائم على المعرفة والتكنولوجيا الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والبيانات الضخمة وغيرها من التطبيقات الالكترونية، كان لزاماً على الدول والهيئات والمؤسسات عبر العالم التكيّف مع هذه المتغيّرات وتبني التحوّلات التكنولوجية من أجل ضمان التنمية الاقتصادية والاجتماعية داخل هذا السياق العالمي الجديد حيث سارعت العديد من الدول العربية إلى وضع الخطط والاستراتيجيات الرقمية، وتخصيص الموارد المالية لتأسيس برامج اقتصادية تسعى من ورائها إلى تحقيق النمو الاقتصادي وتعزيز الاعتماد على الذات وخلق المزيد من فرص العمل
وفي هذا الإطار، بدأت العديد من الدول العربية تنفيذ مبادرات التحول الرقمي، بل ارتقت إلى المراكز الأولى في العديد من المقاييس في مؤشرات التحول الرقمي على غرار المملكة العربية السعودية من خلال إحرازها المرتبة الثانية عالميا من بين 193 دولة والمرتبة الأولى على مستوى الوطن العربي والشرق الأوسط وقارة آسيا في المؤشر العالمي للأمن السيبراني الذي يصدره الاتحاد الدولي للاتصالات. ومما لاشك فيه يساهم تحسن مؤشرات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في توفير وخلق مناخ ملائم للاستثمار واجتذاب استثمارات أجنبية مباشرة....
ما هي التعاونات والشراكات المستقبلية التي تسعى إليها المنظمة العربية لتكنولوجيات الاتصال والمعلومات للتوسع أكثر؟
بالنظر إلى الوتيرة السريعة لتنمية قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، أصبح التعاون الإقليمي والدولي من أهم الأولويات للجميع، وفي هذا الإطار تسعى المنظمة العربية لتكنولوجيات الاتصال والمعلومات إلى بذل قصارى جهدها لتطوير وبناء مجتمع رقمي عربي من خلال مد جسور التعاون مع جميع الجهات المعنية حيث تتمتع المنظمة بشراكة متميزة مع الجهات الفاعلة الرئيسية في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وبالتحديد المنظمات الإقليمية والدولية في المجال وذلك من خلال إبرام اتفاقيات التعاون ومذكرات التفاهم التي يتم وفقها تنفيذ مشاريع وبرامج مشتركة وفقًا للأولويات الإقليمية المحددة بالاعتماد على الشراكات بين القطاعين العام والخاص. ونذكر على سبيل المثال لا الحصر: الاتحاد الافريقي للاتصالات(ATU)،الاتحاد الدولي للاتصالات(ITU)،هيئة الإنترنت للأسماء والأرقام المخصصة (ICANN). والائتلاف العالمي لمشغلي الاتصالات ( GSMA ) ....
كما تواصل المنظمة جهودها لتوسيع دائرة أنشطتها من خلال الانخراط في التحالفات الإقليمية الموجهة على غرار الشبكة العالمية للتعاون في مجال الأمن السيبراني (CAMP) التي تعد بها المنظمة عضوا منذ عام 2018، وهي هيئة استشارية دولية تديرها الوكالة الكورية للانترنت والأمن (KISA) وذلك من أجل تقديم الدعم للمنطقة العربية بما من شأنه أن يعود بالنفع على جميع الدول العربية.
المنظمة تدير التعاون العربي الصيني في مجال الملاحة بالأقمار الصناعية كما تضم المنظمة أيضا من بين أعضائها المنتسبين العديد من شركات القطاع الخاص من منتجي أجهزة ونظم الاتصالات ومشغلي الشبكات على غرار شركة هواوي العالمية ومجمع اوريدو والعديد من المؤسسات الأخرى العالمية.
كيف تساعد المنظّمة الدول ذات القدرات المحدودة على تثبيت مهاراتها لتضمين مكانتها الرقمية على مستوى منطقة الشرق الاوسط وأفريقيا؟
تسعى المنظمة العربية لتكنولوجيات الاتصالات والمعلومات إلى تطوير قدرات الموارد البشرية العربية من خلال مجموعة من الدورات التدريبية المعتمدة دوليا، الندوات، وورش العمل، والمؤتمرات التخصصية. والتي تقدمها نخبة من الخبراء الدوليين للمنظمة والتي تمكنها من أن تقدم حلولاً تتناسب مع كافة الأعمال والاحتياجات المطلوبة على مستوى الوطن العربي، وذلك بالتعاون مع الجهات العربية المعنية في مختلف القطاعات سواء القطاع الحكومي منها أو القطاع الخاص؛ مما يسهم في رفع وتشجيع التخصص واكتساب المهارات في مختلف مجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والدخول في مجال المنافسة الفعلية في سوق العمل العربي وتجهيز أجيال وإطارات عربية للمستقبل لتطبيق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في جميع القطاعات مما يؤدي إلى تعزيز التنمية الوطنية والإنتاج والقدرة التنافسية لكل بلد عربي، كما يساعد هذا بدوره على تحقيق الأهداف التطويرية على الصعيدين المهني والمؤسسي في كل بلد عربي.
وسعيا منها لتفعيل هذا النشاط تقوم المنظمة بتنفيذ برامج تدريبية بصفة دورية عبر أكاديمية المنظمة للتكنولوجيا (ATAC) والتي تعتبر بمثابة مركز تدريبي تابع للمنظمة قائم على فكر ورؤية ورسالة ذات طابع خاص، حيث تستعين الأكاديمية في تنفيذ أنشطتها التدريبية بالخبراء الدوليين لدى المنظمة من خلال قطاعها المنتسب وأعضائها من وزارات الاتصالات بالدول العربية، وهذا بدوره له أكبر الأثر في تبادل الخبرات والكفاءات في مجال تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات.
كما تقدّم المنظمة للدول ذات القدرات المحدودة خدمات المساندة الفنية والاستشارات في مجالات اختصاصها، ويتم تقديم هذه الاستشارات وخدمات المساندة بإشراف فريق عمل المنظمة وبالتعاون مع الشركات الاستشارية العربية والعالمية.
ما الاجراءات المتخذة من قبل المنظّمة للتأكد من تحقيق الشمول الرقمي لمواكبة العصر التكنولوجي الحديث؟
تسعى المنظمة العربية لتكنولوجيات الاتصال والمعلومات باعتبارها بيت الخبرة العربي والذراع التنفيذي لجامعة الدول العربية في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات إلى مساعدة دول المنطقة العربية في إرساء مجتمع المعلومات عبر تعزيز الإدماج الرقمي والاجتماعي وتقليص الفجوة الرقمية بين الجهات وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص وضمان النفاذ العادل إلى شبكات الاتصال بين جميع فئات المجتمع بما في ذلك الفئات الاقل حظا لمواكبة التطور التكنولوجي العالمي والمساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
ومن هذا المنطلق قامت المنظمة بدراسة مشاريع مستقبلية ليتم الشروع في تنفيذها بمعية شركائها مع تعميم الفائدة على كافة الدول العربية ونذكر من بين هذه المشاريع المبرمجة: مشروع التكنولوجيا في خدمة التمكين الرقمي والاندماج الاقتصادي للمرأة العربية، مشروع الابتكار والتجديد التكنولوجي من أجل التشغيل، مشروع تنمية النفاذ الرقميe-Accessibility للجميع في المنطقة العربية ومشروع جائزة التميّز الرقمي لأفضل المؤسسات المالية العربية في نسختها الثالثة.
برأيك ما هو موقع العالم العربي مقارنةً بالخارج من حيث التوازن بين التكنولوجيا والاتصالات؟
في العالم العربي، على غرار ما هو موجود في بقية الأقاليم، هناك تفاوت بين بلدانه من ناحية التوازن بين التكنولوجيا والاتصالات خاصة بعد ما أفرزته الثورة التكنولوجيا الرابعة والتي كرست مزيدا من الاندماج في تكنولوجيات الاتصال والمعلومات وأصبحت هذه التكنولوجيات في مجملها تعرّف بالتكنولوجيات الرقمية دون تمييز بين عناصرها ومكوناتها.
غير أنه تجب الاشارة الى التفاوت الكبير في مدى استيعاب واستعمال التكنولوجيا بين مختلف البلدان العربية والتطور الحاصل فيها بالعلاقة مع هذا القطاع. هذا وتعتبر بلدان مجلس التعاون الخليجي الأكثر تطورا واستفادة من التكنولوجيات الرقمية سواء كان ذلك على المستوى الاقتصادي او الاجتماعي وتستأثر بمراكز جد متقدمة دوليا وإقليميا بينما تعد البلدان التي تعرف أوعرفت نزاعات مسلحة خلال العشرية الأخيرة من أقل البلدان استعمالا للتكنولوجيات الرقمية وبالتالي استفادة من المزايا التي تقدمها للتطور الاقتصادي.