عبر السنوات، اجتاز القطاع التعليمي والمناهج الدراسية شوطاً طويلاً من مراحل التغيير حيث انتقلت المدارس من أساليب التعليم التقليدية إلى المنصات الرقمية التفاعلية. وفي ظلّ التحول الرقمي، نعيش اليوم أكبر مرحلة من التغيير على مختلف مستويات بيئة التعلم بفضل الحلول الذكية والذكاء الاصطناعي بشكل استثنائي.
سهّل دخول الذكاء الاصطناعي إلى القطاع التعليمي كل مراحل التعليم التي أصبحت أكثر توافقاً لاحتياجات الطلاب من الجيل الجديد. وقد أثبتت البرامج التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي قدرتها على تحسين درجات الاختبارات بنسبة 62% باستخدام أساليب التعلم التكيفية. ومع اعتماد المدارس والمعلمين على التقنيات الحديثة بشكل مكثّف، ارتفع مستوى التعليم ليكون أكثر ديناميكية وفاعلية. إلى جانب تمكين الطلاب، يعزز الذكاء الاصطناعي تجربة التعليم من خلال توفير برامج متطورة توفر الجهد والوقت على المعلمين. كما يفتح التحول الرقمي مسارات جديدة لطرق التعليم مع توفير الحلول المبتكرة. وصلت قيمة سوق الذكاء الاصطناعي في القطاع التعليمي الى 5 مليارات دولار في العام 2024؛ ومن المتوقع نمو هذه القيمة لتصل إلى 32 مليار دولار خلال العام 2030 مع هيمنة أكثر من شركة تعليم متخصصة في الذكاء الاصطناعي بملايين الدولارات على هذا السوق. وبعد التجارب والمقارنة بين التعليم الحديث والتعليم التقليدي، يزيد الذكاء الاصطناعي مشاركة الطلاب في الصف، كما انه يعزز الكفاءة الادارية بالاضافة إلى تأثيره على التعلم الشخصي، فتتمتع روبوتات الدردشة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي بدقة تصل إلى 91% في تقديم المساعدة المخصصة للطلاب، وتلبية متطلبات التعلم الفريدة.
مع نمو التكنولوجيا، يزيد الطلب على بيئات التعلم الذكية المُخصصة بالابتكارات والتقنية.
قطاع التعليم: بعد الذكاء الاصطناعي... إلى أين؟
مع نمو التكنولوجيا، يزيد الطلب على بيئات التعلم الذكية المُخصصة بالابتكارات والتقنية ليُحدث الذكاء الاصطناعي بذلك ثورة حقيقة في القطاع التعليمي. تميل البرامج الدراسية القديمة إلى الالتزام بخطط الدروس التقليدية، وممارسات التدريس الجامدة، والتقييم اليدوي. وهذا لا يناسب أساليب التعلم المحددة، ويخلق فجوات معرفية بين الطلاب. من ناحية أخرى، تستفيد البرامج الدراسية المُزودة بالذكاء الاصطناعي من برامج التعلم التكيفي التي تُكيّف المحتوى مع تقدم كل متعلم. تتم أتمتة عملية التقييم بنسبة 70%، مما يُخفف عن المعلمين عبء العمل ويُحسّن تفاعل الطلاب.
ويدعم الذكاء الاصطناعي أيضًا التفاعلية باستخدام المحتوى الذكي، وروبوتات الدردشة، والتطبيقات الذكية، مما يوفر دعمًا تعليميًا متواصلًا. يمكن للذكاء الاصطناعي تطوير وتحديث الكتب المدرسية والمواد التعليمية والاختبارات الإلكترونية تلقائيًا، وهذه العملية أكثر كفاءة بنسبة 40% مقارنةً بالأساليب التقليدية. وبالتالي، يبقى المحتوى التعليمي مُحدّثًا ومُحفّزًا.
ومن الجدير بالذكر أن 55% من شركات تكنولوجيا التعليم تُدمج الذكاء الاصطناعي الآن لإنتاج المحتوى، مما يُشير إلى دوره المُتزايد في هذا المجال. تتوفر روبوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي على مدار الساعة لمساعدة الطلاب في واجباتهم المدرسية، والإجابة على الأسئلة بدقة تصل إلى 91%.
يساعد هذا الدعم الفوري على إبقاء الطلاب منخرطين في العملية التعليمية ويحافظ على مسارهم الدراسي. حاليًا، تستخدم 35% من المدارس روبوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، مما يؤدي إلى زيادة في تفاعل الطلاب بنسبة 45%.
في الاطار نفسه، ساعد الذكاء الاصطناعي المعلمين على وضع مناهج دراسية متوافقة مع معايير التعليم، مما يجعل محتواها ذات صلة وفعالية.
في الواقع، اعتمد 60% من المعلمين الذكاء الاصطناعي في عملهم اليومي، مستخدمين وظائفه لتحسين تخطيط الدروس وأساليب التدريس. قد يتساءل البعض عما إذا كان الذكاء الاصطناعي في التعليم مجرد اتجاه عابر، سيحل محله قريبًا ابتكارات أحدث؟
ومع ذلك، يعتقد الخبراء خلاف ذلك. يُحدث الذكاء الاصطناعي تحولًا في طريقة تعلم الطلاب وطريقة تدريس المعلمين، مما يؤدي إلى تحسين النتائج، وتوفير التكاليف، وتوفير تجارب شخصية، واتخاذ قرارات قائمة على البيانات.
ولا تقتصر فوائد الذكاء الاصطناعي في القطاع التعليمي على ذلك فحسب، بل يُقدّم رؤية قيّمة للمعلمين، مما يُحسّن تصميم المناهج واستراتيجيات التدريس. المعلمون واثقون بنسبة 55% من أن الذكاء الاصطناعي قد حسّن أداء الطلاب من خلال معلومات عملية حول اتجاهات التعلم. تُتيح هذه الطريقة المُستندة إلى البيانات اتخاذ خيارات أكثر ذكاءً تُعزّز عملية التعلم.
توظّف حكومات المنطقة الحلول المبتكرة لاستيعاب واقع الذكاء الاصطناعي وأهميته في التعليم.
الذكاء الاصطناعي في التعليم: رؤية استباقية
توظّف حكومات المنطقة الحلول المبتكرة لاستيعاب واقع الذكاء الاصطناعي وأهميته في التعليم وبناء مفاهيم جديدة. كما تعكس هذه الخطوة الرغبة في الانتقال إلى اقتصاد معرفي قائم على التقنية والابتكار. في هذا الاطار، أعلنت عدّة دول من الخليج والشرق الاوسط مبادراتها لتوجيه مسارات التعليم المتطور بهدف تنمية القدرات البشرية والمهارات المستقبلية التي ستشكّل بالاساس سوق العمل.
التعليم الذكي في السعودية:
يشكّل الذكاء الاصطناعي ركيزة أساسية من استراتيجية المملكة العربية السعودية حيث أعلنت هيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي "سدايا" عن اطلاق مقرر دراسي جديد بعنوان "مقدمة في الذكاء الاصطناعي" بالتعاون مع وزارة التعليم. يهدف هذا المقرر إلى تزويد الطلاب بالمعرفة حول الذكاء الاصطناعي وكيفية تطبيقه في المهام اليومية وفي مختلف القطاعات منها النقل والصحة والتعليم وغيرها، كما يشمل المقرر مواضيع متعلقة بالانظمة الذكية والخوارزميات وتحليل البيانات والتعلم الآلي.
تدعم المملكة العربية السعودية التكنولوجيا بكل جوانبها إلى أن تصبح المملكة مركزاً عالمياً للبيانات والذكاء الاصطناعي مما يتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030. كما تسعى المملكة إلى بناء اقتصاد معرفي قائم على الحلول الذكية مما يساهم بسدّ الفجوة الرقمية ويعزز مكانة المملكة رقمياً للاستجابة إلى متطلبات السوق المتغيرة باستمرار. وتهدف المملكة العربية السعودية إلى دمج الذكاء الاصطناعي في كافة المناهج الدراسية فيها مما يمثل نقلة نوعية في القطاع التعليمي بعيداً عن الأساليب التقليدية في التعليم خصوصاً وان الأجيال المقبلة ستكون على اتصال أكبر وأمام فرص أوسع في ظلّ العصر الرقمي سريع النمو. وتهدف الأعمال في المملكة إلى تطوير التطبيقات الذكية لخدمة المناهج التعليمية وتحسين النظام التعليمي وتحقيق التنمية المستدامة والاستثمار بالحلول التكنولوجية والذكاء الاصطناهي لمستقبل تعليمي مزدهر. يتطلب هذا التحول تدريب المعلمين على اعتماد برامج الذكاء الاصطناعي داخل المدارس ومواجهة التحديات المتمثلة في هذا السياق.
الذكاء الاصطناعي في كل المراحل التعليمية في الامارات:
بمواكبة منها للتطورات الأخيرة في التكنولوجيا والتقنية، قررت وزارة التربية والتعليم في الامارات ادراج مادة الذكاء الاصطناعي في جميع مراحل التعليم الحكومي مما يجسّد رؤية استباقية لاعداد الأجيال القادمة للمستقبل الرقمي وبناء مجتمع تنافسي ولتكون بذلك الامارات من أوائل دول العالم التي تدرج هذه التقنية في مناهجها التعليمية. وعبّرت وزيرة التربية والتعليم، سارة الأميري عن أهمية هذه الخطوة لتزويد الطلاب بالمعرفة الرقمية وتطوير مهاراتهم الرقمية. يركز رجال الأعمال استثماراتهم في الذكاء الاصطناعي لتنويع اقتصاد الامارات. وفي السياق، يشير 79% من المختصين في الامارات إلى ضرورة دمج الذكاء الاصطناعي في المناهج الدراسية من الصفوف المبكرة لضمان توفير فرص عمل شاملة في ما بعد والارتقاء بتجربة التعليم في وقت أصبحت التكنولوجيا جزءاً لا يتجزاً من حياتنا اليومية. وبالفعل، بدأ العديد من المدارس في الامارات بتحديث برامجه التعليمية واستخدام الذكاء الاطصناعي في التعليم ومواكبة التقنيات المتطورة في هذا المجال.
تعكس هذه المبادرات التزام الامارات بمواكبة التحولات الرقمية وترسيخ التكنولوجيا في الدولة لبناء منظومة تعليمية مرنة وشاملة. تدعم الامارات اليد العاملة البشرية وتطوير الحلول المبتكرة لخدمة العمل ودفع المهارات الرقمية للتقدم. تأتي هذه الخطوات في وقت تشير فيه التوقعات الى أن يصل حجم سوق الذكاء الاصطناعي في الامارات إلى 118 مليار دولار خلال العام 2025.
رؤية استراتيجية لقطر:
لم تكن قطر بعيدة عن التطورات في قطاع التعليم حيث تعتبر الهيئات والمنظمات المعنية في الدولة أن استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم محوري لتحسين جودة التعليم وتوسيع الآفاق. وتولي وزارة التربية والتعليم العالي في قطر أهمية كبيرة لدمج الذكاء الاصطناعي في القطاع مع توقيعها اتفاقيات ومبادرات مع شركات عالمية تكنولوجية لتسهيل مراحل دمج هذه التقنية في القطاع بهدف مواكبة النمو الرقمي وتحقيق التنمية المستدامة في المجتمع القطري.
تضم استراتيجية الوزارة أطراً تنظيمية لتوجيه تطبيقات الذكاء الاصطناعي في قطاع التعليم لاستخدام هذه التقنية بشكل ايجابي والاستفادة من سائر الابتكارات التكنولوجية أيضاً. من جهتها، قالت الدكتورة منى الفضلي مديرة إدارة نظم المعلومات بوزارة التربية والتعليم والتعليم العالي: "تمكنت الوزارة من تحديث وترقية البنية التحتية في الوزارة والمدارس الحكومية، حيث أصبحت جميع المدارس ورياض الأطفال تتمتع ببيئة تكنولوجية متقدمة تساهم في تعزيز جودة التعليم، وقادرة على التكيف مع أدوات الذكاء الاصطناعي".
مقابل ذلك، تركز الوزارة على التحديات التي قد تواجهها مع دمج الذكاء الاصطناعي ومنها التركيز على أهمية ورش العمل للمعلمين لتزويدهم بالمعرفة اللازمة لاستخدام التكنولوجيا بالعموم والذكاء الاصطناعي بالخصوص في البرامج الدراسية. إلى جانب ذلك، يتطلب دمج التكنولوجيا بقطاع التعليم تطوير الأجهزة الالكترونية المستخدمة من الحواسيب وغيرها لضمان العمل الفعال والموثوق. ويشدد الخبراء على أهمية تعزيز برامج الحماية في المدارس التي تسعى إلى اعتماد الذكاء الاصطناعي لتجنّب الهجمات السيبرانية والثغرات الالكترونية.
ان الاستثمار المستمر في الذكاء الاصطناعي يساعد المدارس على البقاء في الطليعة ويضمن تكييفها مع الواقع الجديد.
الذكاء الاصطناعي ومستقبل قطاع التعليم
ان الاستثمار المستمر في الذكاء الاصطناعي يساعد المدارس على البقاء في الطليعة ويضمن تكييفها مع الواقع الجديد لتلبية احتياجات السوق والطلاب أيضاً. ويتماشى دمج الذكاء الاصطناعي في القطاع التعليمي مع رؤية الحكومات في المنطقة لمستقبل تكنولوجي مزدهر وهذا ما يعزز بشكل كبير البرامج التعليمية التفاعلية القائمة على التواصل والاتصال بين المعلمين والطلاب على عكس المناهج التقليدية القديمة.
سيزداد استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم، مما يؤثر على أساليب التدريس والتعلم الناشئة. ومن أبرز الاتجاهات التي تُحرك مستقبل الذكاء الاصطناعي في التعليم:
الذكاء الاصطناعي التوليدي لتطوير المحتوى: تُستخدم الآن ChatGPT وأدوات الذكاء الاصطناعي الأخرى لإنشاء محتوى تعليمي، ودعم تخطيط الدروس، وجعل التعلم المُخصص أكثر كفاءة.
وكلاء ومساعدو الذكاء الاصطناعي: يُساعد المساعدون المعتمدون على الذكاء الاصطناعي المعلمين والطلاب في أداء الأعمال الإدارية وتقديم الدعم الأكاديمي الفوري.
يرتكز نجاح الذكاء الاصطناعي في قطاع التعليم على التحول الرقمي الشامل وتحويل المحتوى التقليدي إلى برامج ذكية تقرّب الطلاب أكثر من التعليم والتفكير العميق. فإن وجود الذكاء الاصطناعي لا يوسع الآفاق فقط بل يمّكن جيل جديد من الثورة الرقمية. فهل ستعتمد المدارس على الذكاء الاصطناعي بشكل كامل مع السنوات المقبلة أو سيبقى تأثير المعلمين حضورياً أساسياً للتفاعل البشري؟