في خطوة استثنائية من شأنها أن تغيّر مستقبل قطاع النقل في الشرق الاوسط، تعمل الشركات اليوم على تطوير سيارات طائرة على ان يتم اعتمادها على نطاق أوسع في ما بعد. لطالما كانت السيارات الطائرة حلماً "صعباً"، ترسم صورة المدن المستقبلية فائقة الذكاء والتي تتبنى كل التقنيات الحديثة.
تجاوزت الأبحاث والتجارب مراحل مهمة في مسيرة تطوير السيارات الطائرة التي تعتمد على الاقلاع والهبوط عمودياً. ويعتبر الخبراء ان هذه السيارات مثالية لتحقيق التنمية المستدامة والحفاظ على البيئة. مع دخولنا منتصف العام 2025، تزيد التساؤلات حول مستقبل السيارات الطائرة وهل ستكون معتمدة بشكل أكبر خلال السنوات المقبلة لتكون أكثر واقعية أم أن العوائق ستكون أكبر لتمنع تحقيق هذا الحلم؟
بين الأحلام والواقع، لن تكون السيارات الطائرة متاحة للجميع بالسرعة المتوقعة فهناك تغييرات واستراتيجيات يجب على الحكومات اتباعها لتحمّل هذه النقلة انطلاقاً من تطوير نظام السير، تنظيم حركة المرور، تطبيق التكنولوجيا المطلوبة لعمل السيارات الطائرة وتوفير سعة كبيرة للبيانات.
مدن كثيرة بدأت بالفعل تطوير بنيتها التحتية استعداداً لما سيأتي به النقل الجوي الحضري مثل دبي التي بدأت بناء مطارات عمودية. التحديات كثيرة لكنها ثورة تستحق التجربة من أجل تحقيقها.
تشكل حلول الذكاء الاصطناعي جزءاً كبيراً من نجاح السيارات الطائرة فهي تساهم بتخفيف الأخطاء البشرية.
التكنولوجيا المحرّكة للسيارات الطائرة
كيف تعمل؟ كيف سيكون تصميمها؟ وما التقنيات المطلوبة لضمان أعلى مستوى من الأداء والخدمات؟ هي سريعة بالفعل، لكن الوصول إليها ليس بهذه السهولة. تتطلب السيارات الطائرة مجموعة من التقنيات لتنظيم وجودها سواء في قيادتها أو كيفية ادارة حركة مرورها.
يعتبر الذكاء الاصطناعي المحور الرئيس لتقدّم السيارات الطائرة. تشكل حلول الذكاء الاصطناعي جزءاً كبيراً من نجاح السيارات الطائرة فهي تساهم بتخفيف الأخطاء البشرية، تعزز سلامة القيادة وتدعم الأنظمة الذكية لاتخاذ القرارات آنياً لا سيما في المدن المزدحمة والتي ترتفع فيها حركة المرور.
أما سرعات الاتصال فتعتبر أيضاً أساسية لسير عمل السيارات الطائرة وتنظر الشركات المصممة لهذه السيارات إلى شبكات الجيل الخامس ولاحقاً الجيل السادس التي تقدم سرعات تصل إلى 1 تيرابت في الثانية مما يعزز تجربة القيادة والتفاعل مع مختلف الأجهزة الالكترونية الذكية من دون أي عائق.
ليس ذلك فقط، تُعد تقنية انترنت الاشياء من التكنولوجيا المهمة للسيارات الطائرة لتأمين البيانات وتحسين العمليات التشغيلية. بالاضافة إلى الحوسبة الكمية التي تغير قواعد اللعبة في ظل التطورات الحاصلة مما يتيح لنا اكتشاف قدرات جديدة بالسيارات الطائرة ويفتح آفاقاً واسعة لهذه التكنولوجيا رغم كل التحديات المتمثلة.
تتجه المنطقة إلى السيارات الطائرة بشكل سريع مع تطور وسائل النقل المستقبلية. وبصورة خاصة، تلتزم دول الخليج والمنطقة بهذا الاتجاه مع توفير كل الشروط المطلوبة لتبني السيارات الطائرة على نطاق واسع.
تحقق الامارات تقدماً كبيراً في هذا المجال مع ريادتها العالمية بالنقل الذكي. فقد التزمت هيئة الطرق والمواصلات في دبي باطلاق خدمات التاكسي الجوي بحلول 2026 وتتبعها أبوظبي بمبادرات مماثلة. كما تعمل السلطات المحلية بنشاط لتوفير خدمات السيارات الطائرة العمودية في أجواء الخليج. على الخط نفسه، تم الاعلان عن قرب انطلاق أولى الرحلات التجريبية لأول طائرة كهربائية بالكامل ضمن مشروع "التاكسي الطائر" الذي سيبدأ عملياته التجريبية في إمارة أبوظبي قبل نهاية العام 2025. ووفقاً للمعلومات، سيبدأ التشغيل التجريبي للسيارة الطائرة في المناطق غير المأهولة ليتم التوسع في ما بعد إلى المناطق المأهولة سكانياً. ستكون شركة طيران أبوظبي، أكبر مشغل للطائرات المروحية التجارية في الشرق الأوسط، أول مشغل رسمي للطائرات الكهربائية من طراز "ميدنايت" على مستوى العالم. نتيجة عمل الجهات التنظيمية في دولة الامارت، تعتبر السيارة الطائرة من الحلول التي تتماشى مع الرؤية المستقبلية لتقود الامارات شعلة التغيير في المنطقة.
يتحول قطاع النقل في المملكة العربية السعودية أيضاً إلى السيارات الطائرة حيث من المتوقع الاعلان عن خطط المملكة وتعاونها مع شركات عالمية لصناعة سيارة طائرة على أن تُوزّع إلى الأسواق العالمية.
وقد خصصت المملكة العربية السعودية 30 مليون دولار لتطوير السيارات الطائرة، وتأتي هذه الخطوة في إطار مبادرة رؤية 2030 الأوسع نطاقاً للمملكة العربية السعودية، والتي تسعى إلى تنويع اقتصاد البلاد بعيداً عن النفط والاستثمار في التقنيات المتقدمة ومنها السيارات الطائرة.
هل النقل الجوي سيكون 100% في 2030؟
تواجه المدن الحضرية اليوم مشكلة كبيرة في ازدحام السيارات والتلوث البيئي الذي تسببه الا أن اعمال الشركات لم تتوقف لتحقيق الاستدامة والتأكيد على ضرورة حماية البيئة لمستقبل أكثر أخضراراً. بحسب التقارير، ستصبح السيارات الطائرة حقيقة واقعة كاملاً بحلول عام 2030 مع زيادة الاستثمارات في مجال النقل الجوي وتقدم صناعة السيارات. وسيوفر النقل الجوي فرصة كبيرة للمدن لتخفيف الانبعاثات السامة والتنقل بمرونة وسلاسة. هذا الأمر يرافقه بناء مطارات للسيارات الطائرة للهبوط والاقلاع عمودياً دون أي عائق. بالاضافة إلى ذلك، توفير الدعم الكامل لتشغيل أنظمة السلامة أثناء القيادة.
لا تنحصر السيارات الطائرة ضمن منطقة أو مدينة معيّنة بل هي مشروع تسعى الحكومات إلى تطبيقه على مستوى عالمي. فرغم الامكانات المحدودة في بعض الدول، تعتبر الصين مثلاً من الدول المتقدمة في صناعة السيارات الطائرة حيث تدعم الحكومة الصينية الشركات المصنّعة لتجسيد فكرة النقل الجوي والوصول إلى 100 ألف سيارة طائرة بحلول عام 2030 من خلال: ضخ التمويل المطلوب، الاعفاءات الضريبية، سنّ القوانين اللازمة. ورغم الخطوات السريعة في هذا المجال والمساعي المتتالية لتحقيق حلم السيارات الطائرة بأسرع ما يمكن، لا تزال تواجه القطاع عقبات وتحديات متنوعة على المستوى الاقتصادي والتقني واللوجستي تدرس الحكومات كيفية حلّها لتوفير أعلى مستوى في الأداء وتجربة فائقة للعملاء أثناء "التحليق" بسياراتهم.
تعمل الحكومات على تطوير قوانين سير صارمة خصوصاً مع توسع السيارات الطائرة.
التحديات أمام السيارات الطائرة
تستهلك السيارة الطائرة نسبة كبيرة من الطاقة مما يتطلب حجم بطارية كبيراً أيضاً يلبي المركبة عند الاقلاع والهبوط عمودياً. فبينما توصلت شركات السيارات إلى صناعة بطاريات تتراوح بين 800 و1000 كلم، لا تزال بطارية السيارة الطائرة ضمن أقل من 400 كلم.
إلى جانب المشاكل التقنية، يجب أن تعمل الحكومات على تطوير قوانين سير صارمة خصوصاً مع توسع السيارات الطائرة التي تتطلب قوانين مختلفة عن المركبات الأرضية. يجب أن يخضع السائق إلى دورات تدريب لقيادة السيارة الطائرة وتعلّم أساسيات التحليق والتنقل في الجو بالاضافة إلى كيفية ادارة حركة المرور الجوية.
ولا يمكن الا التركيز على تطوير البنية التحتية الملائمة للسيارات الطائرة فالقيادة في الجو تختلف تماماً عن القيادة التقليدية بين السيارات على الطرقات. وبينما ستنشط عمليات صيانة وصناعة السيارات الطائرة وفرص العمل التي ستتوفر أيضاً، غير أن المجالات المتعلقة بالسيارات التقليدية ستتراجع. كما يجب على الوزارات المعنية العمل على توفير المباني والمطارات الواسعة لتسهيل عمليات الاقلاع والهبوط في أي وقت.
على المستوى الاجتماعي، ستخلق السيارات الطائرة فجوة مجتمعية بين الطبقة الغنية التي بامكانها شراء سيارة بكل المواصفات الحديثة والفئة المجتمعية ذات القدرة الشرائية المحدودة.
رغم التناقضات والجدال الواسع حول السيارات الطائرة وأهميتها الفعلية، الا أن هذه المركبات الحديثة ستمكّن المستخدمين من الوصول إلى مناطق قد يصعب الوصول إليها بواسطة سيارة تقليدية بسبب زحمة السير أو وعورة الطريق وغيرها من العوامل التي تجعل من القيادة رحلة صعبة. تخطط الحكومات اليوم للاستثمار بالسيارات الطائرة لمنح المواطنين تجربة مميّزة تحاكي العصر الحديث وتوظّف التقنيات المبتكرة لخدمة الانسان.