تبرز التكنولوجيا كقوة دافعة في تشكيل الاقتصاد الدائري في هذا العصر المتطور بين التقدم والرعاية البيئية. تتجاوز التكنولوجيا نماذج الإنتاج والاستهلاك، فهي تُرسّخ الابتكار والشفافية والكفاءة في الممارسات الأساسية. تُمهّد هذه التطورات الطريق لمستقبل تُثمّن فيه الموارد، وتقلّل فيه النفايات، وتزدهر فيه النظم البيئية.
يفترض الاقتصاد الخطي الحالي موارد طبيعية وفيرة، يسهل الوصول إليها، وفعالة من حيث التكلفة. ومع ذلك، فإن هذا الافتراض غير مستدام، لا سيما بالنظر إلى المسار العالمي الحالي الذي يتجاوز الحدود البيئية للأرض. في المقابل، يُقلل الاقتصاد الدائري (CE) من النفايات ويُحسّن كفاءة استخدام الموارد، مما يجعله بديلاً أكثر استدامة للنموذج الخطي السائد. يُقلل الاقتصاد الدائري من انبعاثات الغازات السامة التي تسبب الاحتباس الحراري ويُحسّن أمن الطاقة. تُخفف الإدارة السليمة للنفايات، تقليل النفايات، وإعادة التدوير، وتقنيات تحويل النفايات إلى طاقة مبتكرة. رغم أن دمج هذه التقنيات يتماشى مع مبادئ الاقتصاد الدائري لكفاءة الموارد وتقليل النفايات، إلا أنه يتطلب معالجة التحديات البيئية والتقنية والاجتماعية والاقتصادية. بالنظر إلى القضايا العالمية المُلحة، يُعدّ الانتقال إلى الاقتصاد الدائري وتطبيق ممارسات بيئية مستدامة أمراً بالغ الأهمية في ظلّ عصر سريع النمو والتطور وتكثر فيه الأجهزة والآلات.
سياسة الاقتصاد الدائري في الشرق الاوسط
تجد الدول العربية والمنطقة أجمع بالاقتصاد الدائري خطة سريعة لتحقيق التنمية المستدامة بما يتماشى مع رؤية 2030. كما يفتح الاقتصاد الدائري آفاقاً جديدة للطاقة المتجددة وتنويع الاقتصاد والوصول إلى فرص عمل جديدة. تلتزم الحكومات سياسات خاصة للانتقال من الاقتصاد الخطي إلى الاقتصاد الدائري تستند إلى برامج بناء القدرات، نشر التوعية حول أهمية هذه النقلة، رقمنة الآلات وتنفيذ مشاريع فاعلة في هذا المجال.
تساهم الدول التكنولوجية والحلول المبتكرة في دفع الاقتصاد الدائري من خلال تعزيز الابتكارات الرقمية.
يوازن الاقتصاد الدائري بين التنمية المستدامة والاستدامة البيئية. يُعرف الاقتصاد الدائري بنظامه الاستهلاكي والانتاجي حيث يهدف إلى تحويل النفايات إلى مواد ذات قيمة مضافة بدلاً من تركها بمخلفاتها السلبية. هذا ويعتمد الاقتصاد الدائري لمعالجة المشاكل الأكثر تعقيداً لتحسين رفاهية الانسان وتخفيف المخاطر البيئية مما يعزز مفهوم الاقتصاد الاخضر. تحمل الدول العربية مهارات بما يكفي لتحقيق التنمية المستدامة عبر الاقتصاد الدائري، اذ أن البنية التحتية الرقمية القوية والخبرات التقنية الموجودة كفيلة للتوجه نحو مستقبل أكثر استدامة.
تساهم الدول التكنولوجية والحلول المبتكرة في دفع الاقتصاد الدائري من خلال تعزيز الابتكارات الرقمية لانشاء نظام اقتصادي يدعم الموارد المتجددة. كما تلعب التكنولوجيا في المنطقة دوراً في تعزيز نهج الإنتاج والاستهلاك. فهي تُمكّن من إيجاد حلول مثل تقنية البلوك تشين والذكاء الاصطناعي وتقنيات تحويل النفايات إلى طاقة.
البلوك تشين: توفر تقنية البلوك تشين سجلاً لامركزياً لاتمام جميع المعاملات والتداولات ضمن سلسلة التوريد. يساهم جميع المشاركين في السلسلة، بمن فيهم موردو المواد الخام والمصنّعون وتجار التجزئة، بالبيانات في البلوك تشين. يضمن هذا النظام الشفاف إمكانية تتبع رحلة المنتج بدقة، مما يُعزز مصادره وإعادة تدويره بكفاءة.
التحول إلى الطاقة: تتضمن تقنيات تحويل النفايات إلى طاقة عملياتٍ مثل الحرق، والتحلل الحراري. على سبيل المثال، يتضمن الحرق حرق النفايات لتوليد الحرارة التي تُحوّل إلى كهرباء.
الذكاء الاصطناعي: يُحلل الذكاء الاصطناعي مجموعات البيانات المتعلقة بمواد تصميم المنتجات وعمليات إعادة التدوير. ومن خلال خوارزميات التعلم الآلي التي تحدد الأنماط والارتباطات في البيانات، يُمكّن الذكاء الاصطناعي من ابتكار منتجات تتوافق مع مبادئ "الاقتصاد الدائري".
يتضمن ذلك إنشاء منتجات يمكن تفكيكها بسرعة باستخدام مواد صديقة للبيئة لإعادة التدوير ودمج المكونات التي يمكن إصلاحها وترقيتها بسهولة.
في ظلّ التحول الرقمي وعصر التكنولوجيا والسرعة، تبرز التكنولوجيا كأداة أساسية لإعادة تعريف الاقتصاد الخطي التقليدي وتحويله إلى نموذج دائري ومستدام. فالعلاقة المتناغمة بين الابتكار والاستدامة تُحدث تغييرًا، مما يمهد الطريق لعصر تُصبح فيه التكنولوجيا محورية في السعي نحو اقتصاد دائري.
وعن سياسة الاقتصاد الدائري في الدول العربية، تحدد الحكومات أولوياتها في هذا الاطار، مثل الامارات التي تهدف إلى تعزيز هذا المفهوم في مختلف القطاعات لديها وتطوير البنية التحتية الخضراء وتحقيق الاستدامة في قطاعات النقل والتصنيع والغذاء واعادة التدوير. كذلك حكومة أبوظبي التي تسعى إلى التحول نحو الاقتصاد الدائري بحلول عام 2030.
بدورها تتبنى المملكة العربية السعودية الاقتصاد الدائري حيث تضع الحكومة السعودية برامجها لجذب الاستثمارات في هذا المجال لتحقيق أمن الطاقة وتأكيد استدامتها والوصول إلى الحياد الكربوني. بينما يواجه العالم تحديات بيئية عدة، تعتبر المملكة العربية السعودية رائدة في مجال الاقتصاد الدائري وهذا ما يميّزها عن سائر الدول التي لا تزال تعتمد الاقتصاد التقليدي. فمع تنامي الوعي حول أهمية الطاقة المتجددة وايجابيات الاقتصاد الدائري، عززت الحكومة السعودية مبادراتها في هذا الاطار استجابةُ لأهداف رؤية المملكة 2030 التي تهدف إلى تنويع خدماتها ومنتجاتها وعدم تحديد تركيزها على النفط فقط. وتعتبر مدينة نيوم مثالاً عن المدن التي تركز على الاقتصاد الدائري.
تتبنى المملكة العربية السعودية الاقتصاد الدائري حيث تضع الحكومة السعودية برامجها لجذب الاستثمارات في هذا المجال.
كيف يستفيد قطاع الاتصالات من الاقتصاد الدائري؟
تُشكّل النفايات الإلكترونية مشكلة عالمية في ظلّ التطور التكنولوجي المتسارع. ويُسهم اعتماد نموذج الاقتصاد الدائري في تقليل الهدر في شراء الأجهزة وإخراجها من الخدمة، إذ يُعدّ هذا النموذج بديلاً مستداماً. على سبيل المثال، أظهرت أبحاث ماكينزي أن الاقتصاد الدائري في أوروبا يمكن أن يخلق فائدة صافية قدرها 1.8 تريليون يورو بحلول عام 2030، مع معالجة التحديات المتزايدة المتعلقة بالموارد، وخلق فرص العمل، وتحفيز الابتكار، وتوليد فوائد بيئية كبيرة.
على الخط نفسه، تشير الدراسات إلى أن اختيار الأجهزة الإلكترونية المتينة والقابلة للإصلاح والمصممة لتدوم طويلًا يُسهم بشكل كبير في الاستدامة وكفاءة الطاقة، بينما يؤدي الشراء الاندفاعي غالباً إلى تحديثات غير ضرورية، مما يُسهم في تراكم الأجهزة المهملة.
يقدم العديد من المصنّعين الآن أطقم إصلاح وقطع غيار لإطالة عمر الأجهزة. إن اختيار إصلاح الأجهزة الإلكترونية بدلاً من استبدالها يوفر على المستهلكين المال، ويحافظ على الموارد القيّمة، ويقلل من النفايات الإلكترونية بنسبة كبيرة. اضافة إلى ذلك، تُبسّط برامج استعادة الأجهزة الالكترونية التي يقدمها المصنّعون عملية التخلص من النفايات الإلكترونية، مما يضمن إدارتها بشكل أخلاقي وفعال.
نظراً لقدراته الحاسوبية الهائلة، يمكن للذكاء الاصطناعي تمكين الابتكار في الاقتصاد الدائري عبر القطاعات، بما في ذلك الاتصالات، بثلاث طرق رئيسية؛ أولها عبر عمليات التصميم حيث يُمكن للذكاء الاصطناعي تعزيز منتجات ومكونات ومواد جديدة وتطويرها لتكون مُلائمة للاقتصاد الدائري من خلال عمليات تكرارية مدعومة بتقنيات التعلم الآلي، مما يُسهّل عملية إنشاء النماذج الأولية واختبارها.
حظي الاقتصاد الدائري باهتمام كبير وبالتالي، يجب اعتباره أولوية قصوى.
ثانياً، تداول المنتجات من خلال الجمع بين البيانات اللحظية والتاريخية من المنتجات والمستخدمين، يُمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة في زيادة تداول المنتجات واستخدام الأصول من خلال التنبؤ بالتسعير والطلب والصيانة التنبؤية. وثالثاً، اعتماد اللوجستيات العكسية حيث يُمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة في بناء وتحسين البنية التحتية اللوجستية العكسية اللازمة لـ"إكمال دورة" المنتجات والمواد من خلال تحسين عمليات تصنيف المنتجات وتفكيكها، وإعادة تصنيع المكونات، وإعادة تدوير المواد.
مع الاهتمام بمسألة الحماية البيئئية والتغير المناخي، حظي الاقتصاد الدائري باهتمام كبير وبالتالي، يجب اعتباره أولوية قصوى بين جميع جوانب تطوير السياسات المستدامة في صناعة الهاتف المحمول والاتصالات.
وفقًا لرابطة GSMA، يُتيح سوق الأجهزة المُجدَّدة وخدمات الإصلاح، المُتوقع أن يتجاوز 150 مليار دولار أميركي عالميًا بحلول عام 2027، مصادر دخل جديدة للمُصنِّعين والمُشغِّلين. يُعزِّز إنتاج ودعم الأجهزة المُعمِّرة والقابلة للإصلاح رضا العملاء وولائهم، ويُقوِّي صورة العلامة التجارية، ويجذب المستهلكين والمستثمرين المُهتمين بالبيئة. يُمكن التخفيف من ثغرات سلسلة التوريد وتقلُّب الأسعار من خلال اختيار مصادر الطاقة المُتجدَّدة، وتحسين كفاءة المواد، وتقليل الاعتماد على المعادن الأساسية.